رواية السراية


السراية الكاتب الأديب محمد خيرت حماد




السرايــــة

روايــة

محمد خيرت حماد
أدب الجماهير
تأسست عام 1968
الإبداع طريق التقدم

كتاب أدبي يشرف عليه:
فؤاد حجازي

المراسلات :
المنصورة – ش. د. سيد أبو العينين-عمارة الفردوس.
جوار مدرسة الشيخ حسنين.
الرمز البريدي 35111
ت : 2247168 / 050

إهـــداء

إلى من تدل نبضات قلبها
على سريان الدم فى عروقى
وتبدد إبتسامتها كل
ظلمات حياتي
وأستمد من حنانها
قوة دفع لغد آتٍ
مع خالص حبى وتقديرى

المؤلف


ــ 1 ــ

منذ انتقل عمدة القرية إلي الرفيق الأعلي .. وعـبد الجبار .. يعتبر نفســـه العمدة القادم . بل أن بعـض رجاله وأنصاره ... اخذ يناديه بذلك فعلا . وأن كان بينه وبين نفسـه يرى انه هو الاحق بالعمودية من زمن طـويل .. حتي من قبل أن يكون شيخا للبـلد ، فـطول قامته .. وعرض منكبيه .. يمنحانه هيبـة تضيف عليها صرامته وقوته .. هيـبـة ورهـبـة . في قلـوب كل المتعاملين معــه مـن خـفـر وبـعـض المشـاغـبين من اهـل قـريـتـه . ومـنـذ تولي مشـيخـه القـريه.. انعـدم فيها ما يعكر الصـفـو . والتـف حـولـه بعـض من الشـبـاب والـرجـال ممـن توسمـوا فـيــه الزعـامـه .. والقـدرة والـنفـوذ آملين في تحقيق مصـالحهم.. وفي نـفـس الوقـت يوفـرون لأنـفـسهـم الحـمـايه من اى باطـش . ولامانـع من أن يـكـونـواهـم رجـالـه .. ويـده التى يبـطـش بـهـا .
وقـد أعــد نـفـسـه لـهـذا الـيـوم جــيـدا.فـقـد سـعـى لـدى أخـواتـه البنات الخـمـس المـتـزوجـات فى عـائلات القريـه المـخـتـلفـه حتـى كـتـبـت كل مـنـهـن ما تملكه من أرض باسـمـه حـتى يـتـوفـر لـديـه بالاضـافـه لمـا يـمـلـكـه نـصـاب العـمـودية وهـو عـشـرة أفـد نـه . بـل زاد عـنـه بـفـدانـيـن . كـمـا وأنــه وطـد عـلاقـاته بـعـائـلات أزواج أخـواتـه الـبـنـات .. لـدرجـة أن كـل أزواج أخـواتـه راضون عـن تـنـازل زوجـاتــهـم عـن أراضـيهـن لأخـيـهـن بالرغـم مـمـا تـعـنـيـه الأرض للفـلاح .. عـن طـيـب نـفـس .
آ مـلـيـن فى أن تـعـود اليهـم بـعـد أن يـنـال مـراده ويـصـبـح عـمـده القـريـه . بالاضـافـه لـمـا سـيـضـيـفـه ذلـك عـلـيهـم من جــاه ومـا سـيعـود عـلـيهـم من مـصـالح.
كمـا أنـه داوم عـلى الجـلوس امـام الداركـل يـوم بـعـد صـلاه العـصـر.. وحـولـه حـشـد من أتـبـاعـه وأنـصـاره حـتـى صـلاه العـشـاء . منـفـردا بمـقـعـد خـشـبى كـبـيـر لايـقـعـد عـلـيـه سـواه .. أن كان حـاضـرا أو غائبـا . . وبـاقى الحـضـور عـلى الأرائـك الخشـبـيـه التى رصـت عـلى جـانـبى مـقـعـده . وحـرصا من أهـإلى الـقـريـة وكـبـار رجال عائلاتها عـلى كسـب وده وإعــلأن تـأيـيـدهـم لــه .. يـتـوافـدون عـلى مجـلسـه بـيـن الحـيـن والآخـر ويـرفـعـون الـيـه مـشـاكـلهـم .. ويـرتـضـون بالحـلول التى يـقـد مـهـا لـهـم وخـا صـه انـهـا تـكـون مـرضــيـه للـجـمـيـع وعـلى ذ لـك يـتقـبـلهـا كـل الأطـراف مـقـتـنـعــيـن لأ نـهـا تـعـطى لـكـل ذى حـق حـقـه .
وبعد أن ينتهوا من صلاة العشاء .. يذهب كل منهم إلى داره لتناول عشائه ثم يعـود من يرغـب منهم فى استكمال سهرته فى المضيفة . وهى حجرة من دار العـمدة لها باب عـلى الشارع . ويحلو لهم السهر . فى وجود عـبد الجبار.. وفى عـدم وجوده .. وخاصة أن أحد الخفراء مختص بامور الضيافة .. من اعـداد شاى وقهوة وإحضار الطعام من داخل الدارلمن يطلبه . وذلك فى أيام الصيف . أما فى الشتاء .. فالجلوس يقتصر عـلى المضيفة فقط.. ليلا ونهارا . حتى انتصاف الليل ..فى الليإلى غـير الممطرة . اما الليالى الممطرة.. فالكل ينام من بعـدصلاة العـشاء. ولايتبقى بالمضيفةالا الخلصاء وبعـض الخفر وأصحاب المشاكل . يظلون يتسامرون حتى يرغـب عـبد الجبار فى النوم .. فيغادرهم قائلا :
ــ البيت .. بيتكم ياجماعة .. بالاذن . فينهضوا جميعا من مجلسهم حتى يغادرهم .. ويبقى من يبقى .. ويغادرمن يرغـب فى ذلك.
إلا أن ما يشغـل بال عـبد الجبار .. أن بداخله احساساً .. أن الدار التى يسكنها .. لا تصلح له كعـمدة .. نعم كانت عـلى قدره كشيخ للبلد .. لكن العـمدة.. وضع آخر. تراوده أحلام كبيرة.. أن يسكن سرايه .. كبيره . تليق به كعـمدة متميز عـن من سبقوه .إلا أنه أرجأ تحقيق هذا الحلم لما بعـد حصوله عـلى المنصب .
ومن ناحية اخرى .. أكثر من سفره إلى المركز .. والجلوس مع مأمور المركز .. وضباطه وبالأخص ضابط المباحث .. ولا مانع كل كام يوم من ارسال الخفير الخصوصى .. ببعـض الهدايا من الفطيرالمشلتت والطيور.. التى تحرص زوجته عـلى تربيتها فى الدار .. من بط وأوز وحمام .. ولا مانع فى أيام سوق القرية من كام كيلولحمة .. وكذلك فى المناسبات .
ولم يقطع عادة .. افطار حضرة المأمور وضباط المركز .. يوم فى رمضأن من كل عام .حتى أصبحت هذه العادة .. منذ تولى مشيخة البلد .. مناسبة لايمكن تجاهلها .. بل يذكره بها الضباط أنفسهم .. حيث تكون الوليمة عـامرة بكل ماتهفوا له ألأنفس . وعـلى ذلك كانت علاقته بالمركز عـلى أحسن ما يكون .. حتى أنهم فى حياة العـمدة الراحل .. عـندما كانت تحدث أى مشكلة فى البلدة كان الاتصال يتم به متجاهلين العـمدة تماما . حقا كان ذلك يثلج صدره ..الا أنه كان فى نفس الوقت يقول لنفسه .. لو كان ذلك وأنا عـمدة .. كانت سعادتى ستكون أكثر .

ــ 2 ــ
حبى اللـه عـبد الجبار.. بمـزايا جسديه.. فـكان مـن يراه .. يتصور أنـه أحـدأبطال الرياضـه .. بالرغـم مـن أنه لـم يمـارس مـنـها الا ريـاضـه شـد الحـبـل فى الـعـشـريـنـات مـن عـمـره . وكان دائـمـا مـا يـتـفـوق فـريـقـه عـلى أقـرانـه .
وبـالاضـافـه إلى هـذه الـمـزايـا .. كان فـيـه وسـامـه لاتخـفـى عـلى نـاظـر . بالرغـم من صرامته المعـهوده . إلا أنه كان ذكيا فـطنـا .. ميالا للفكاهـه والسمـر.وبالرغـم من فحولته الباديـه للعـيـن .. الا أنـه كان ملتزما .. يخشى اللــه..وحريصاً عـلى ألا يمس أى امـرأه الا فى ألحـلال . ويـرجـع ذلـك فى حقيقـه الأمرإلى مـيله الشـديـد للتـدين بالإضافـة إلى حبه الشديـد لامه التى آ لت عـلى نفـسهـا أن تقـوم بتربيتـه هـو وأخواتـه البنـات الخـمس . بـعـد موت والده وهـو ابـن الـسنيـن العـشـر . ولـم يشعـر فى يـوم من الأيـام أن بـها ضعـف المـرأه وانما قـوية صلبـة بعـشرة رجـال كما سمع عـمه إبراهيم يـقـولـها ذات يـوم .
وكانت كل الأسرة تعـمل لهـا ألف حساب . ربتهم جميعـا .. متحابيـن .. وزرعـت فى بناتهـا حـب أخيهم .. فهو رجلهـم .. أبـوهـم .. الذى يجب أن تـوكل كل واحـده منهـن أمرها اليـه . فـكبرن عـلى ذلك . ولأنهـا توسمـت فيـه الرجولـه من صغـره .. زرعـت فى عـقله عـندما بدا لهـا كبيـرا .. فكـره السعى لكى يكون عـمده القـريـة . بل قالتـها جهارا نهارا أمام أفـراد عـائلة برهـأن . الذى ينتمى والد عـبد الجـبار.. زوجهـا إليها. وطلبـت منهـم الوقـوف بجانبـه وقفـه الرجل الواحـد ساعـتها .
وذلك فى فـرح سليمان ابن عـمه إبراهيم والعـائلة مجتمعـه وسـط الـدار . . وقـد جلس عـبد الجبار بجانب عـمه الذى مد يده وطبطب عـليه .. ثـم جذبـه ناحيته .. متوددا . وعـلامة منه عـلى الموافقـه .. وقـال :
ـ كبرت ياعـبد الجبار .. وبقيت عـريس .. أن شاء اللـه نفرح بيك قريباً .
فـردت والـدتـه :
ـ أن شاء اللـه نفرح به مرتين .. الأولى بالعـروسه .. والتا نيـه بالعـموديه .. يـا شـيـخ إبراهيم .
ـ آه .. واللـه معـك الحـق .. ربـنـا يحـمـيـه ويـصـونـه .
قـال ذلك ولاذ بالصمـت . ككل الحاضرين . إلا أنها بعـد ما قالتهـا .. استطلعـت بناظريهـا وجوه الذين لاذو بالصمت .. ربما للمفاجأه .. وربما انبهـارا بالفكره .. وخاصة انها صادرة من الحاجة زينب بما لها من هـيبة واحترام بينهم .. وخاصة أن الحاج إبراهيم أبدى موافقته .
وقطع الحاج إبراهيم الصمت قائلا :
ــ وليه لأ.. هيه عـيله برهان قـليله فى البلد .
ومن تلك اللحظه .. وجدت الفكره .. أرضا خصبه .. لكى تنمو وتترعـرع فيها .
وسعـت الحاجة زينب حثيثا فى تنفيذها . فحرصت عـلى أن تزوج بناتها الخمس كل واحدة منهن فى عائلة كبيرة من عائلات البلد .. كما سعـت فى تزويج عـبد الجبار نفسه من عائـلة ابو سـعـيد أكبر عـائله فى القرية . والذى أنجب منها وفيق.. إلا أنها ماتت بعـد الولادة بأيام قليلة متأثرة بحمى النفاس . وبعـد عـامين زوَّجته من عـائلة ريحأن .. وكانت حريصة عـلى أن تسترضى عـائلة أبوسعـيد قبل أن تقدم عـلى الزيجة الثانية حرصا عـلى استمرار أواصر المودة والمصاهرة معهم .
بل دعـتهم لحضور العـرس .. وحضروا جميعا . وأنجب من زيجته الثانية ابنة سماها زينب ..عـلى اسم والدته . الذي لم يمهلها القدرلترى حلمها يتحقق.. فماتت بعـد زواجه الثانى بعـامين ..وقبل وفاتها وهى عـلى فراش المرض.. جمعـتهم حولها وقـالـت :
ــ مش ها نام فى قبرى مرتاحه .. إلا لما أشوفك عـمدة البلد يا عـبد الجبار.. وأوصيك باخواتك ورجالتهم .. خليهم عـزوتك وأقرب الناس إليك هما وأولاد أعـمامك . أهلك حتى لاتهلك . ثم وجهت حديثها للبنات قائلة:
ــ أخوكم فى عـنيكم .. هو سندكم فى الدنيا .. ولن يكون لكم غـيره .
ولأنه كان يستشعـر فى أخته شهيره .. أكبرهن . نفس صفات أمه . كانت الأكثر قربا منه ..وهى بطبيعـتها كانت أكثرهن قربا منه وميلا له وحرصا عـلى استمرار الود بينهما .
كما استشعـر فيها الحكمة فكان يستأنس برأيها كلما احتاج إليه . وكان كثير التردد عـلى بيتها .. هى وسميره الصغـرى. الا أن ذلك لم يكن أبدا عـلى حساب عـلاقاته بأخواته الأخريات سعاد وشفيقة وإكرام . فلم تكن تمضى مناسبه أوعـيد الا وكان موسم كل واحدة منهن عـندها ونفس الأشياء لكل منهن . واذا أعـطى لولد من أولاد أى منهن جنيها .. فلكل ولد من اولاد الأخريات مثله. وحرص عـبد الجبار أكثر بعـد موت والدته .. عـلى توطيد عـلاقته بكل الأهل والأقارب وحتى الجيرأن . فلم تكن تأتى مناسبة فرح أو مأتم إلا وتصدر القائمين عـليه .. متلقيا التهانى فى الأفراح والتعازى فى المآتم .. مجاملا ومقدما العـون عـند الحاجه ودون أن يطلب منه .. فأحبه الناس . حتى اذا توفى شيخ البلد .. وبالرغـم من أن عـمره يومها لم يكن يزيد عـن الثلاثين عاما.. إلا أن العـمدة ومأمور المركز لم يجـدا خيرا منه لتعـيينه شيخا للبلده .
ليلتها وقد اجتمعـت أخواته حوله هـن وازواجهن وكانت شهيره بجواره كعادتها وقد انصرف المهنئين والمباركين نظرت إليه وعـلى وجهها ابتسامه الرضى.
قائلة :
ـ أول خطوه .. لتحقيق حلم أمك .. يا عـبد الجبار .
رنا إليها .. وابتسامة شاردة عـلى شفتيه .. سارحا بفكره إلى غـد قـد لايأتى .. وماض قد ولى بكل حسناته وسيئاته . وبعـد برهه قـــال :
ـ بكره فى عـلم الله ياشهيره .. سبيها لله .. وليس شيئا عـلى الله بكثير.

ــ 3 ــ
تقدم عبد الجبار بأوراق ترشيحه للعمودية . وعندما عاد إلى بيته جلس أمامه . والتف حوله الأهل والأنصار . فقد اقترب الحلم من أن يصبح حقيقه .. وعائلة برهأن .. سوف تصبح عائله العمدة .. وكان كل هم المجتمعون وتفكيرهم فى من سوف يتقدم منافسا لمرشحهم .
ـ احتمال عبده ابو سليمان هو اللى هايترشح.
ـ بيقولوا أخو المرحوم العمده هو اللى ناوى يترشح.. علشأن العمودية ماتطلعش من العيله .
فيرد علــيــه آخــر :
ـ ياشيخ .. ده كبير فى السن . . ورجله والقبر .
ـ آهــم بيقولــوا كــده .
إلا أن عمه إبراهيم حسم الأمر قائلا :
ـ يترشح اللى يترشح .. وكبارعائلات البلد برضه لهم كلمتهم .. وأن هم ما حسموش الأمر .. تبقى صناديق الانتخابات تقول كلمتها .
قال أحـد الجـالسـين :
ـ قصدك إيه يا عم إبراهيم .
ـ قصدي كبار عائلات البلد يقعدوا مع بعض .. ويختاروا واحد من المترشحين .. واللى يختاروه الباقى يتنازل له .. إحنا مش عايزين انتخابات.. الانتخابات مابيجيش من وراها إلا المشاكل والخلافات والبلد ماعدتش مستحملة مشاكل وخلافات .
ـ والله عـداك العـيب ياشيخ إبراهيم .
ورد آخــر :
ـ والله فكره .. هو احنا نسينا اللى حصل الانتخابات اللى فاتت، لما حصلت معارك ومشاكل بين العائلات . والا اللى حصل فى البلاد اللى حوالينا .
أمـن الجلـوس عـلى هــذا الرأى .
كل هذا الحوار وعبد الجبار .. يستمع دون أن ينبس بكلمه ، وعندما وصل إلى هذا الحد . أمن على القول الفصل . إلا أنه بينه وبين نفسه تسائل كيف لهذا الأمر أن يتحقق ؟ . وطرأت على ذهنه فكرة .
أن يجتمع من كل عائله من عائلات البلده كبيرها عـلى هيئه مجلس عـرفى لاختيار واحد من المرشحين .. عـلى أن يدفع كل مرشح مبلغ كبير من المال فى البداية كرهن لضمأن التزامه بما يراه المجلس .. ومن يتمرد عـلى رأى المجلس يغـرم المبلغ المدفوع .. بالإضافة لوقوف البلد كلها ضده .
فمال عـلى عـمه إبراهيم وطرح عـليه الفكره . فاقتنع بها .. وأن تمهل لحظات ..قال بــعدهـا :
ـ كلام جميل ..عـلى كده نستنى لما نعرف مين المرشحين الأول وبعـدين نطرح الفكره عـلى عائلات البلد..وأن شاء الله ربنا يوفق لما فيه الخير.ويولى من يصلح .
واتفق الجلوس عـلى ذلك .. وقاموا منصرفين كل إلى داره .
بعد انصرافهم دخل عبد الجبار حجرته .. واسترخى بجسده الطويل عـلى الفراش .. وأغمض عينيه.. وأخذ يقلب الفكره فى رأسه .. هل يضمن أصوات العائلات الخمس المتزوج بها أخواته البنات ؟ ..
ـ ليه لأ .. اليسوا هم نسبائه وعـزوته وبينهم وبينه كل المودة والاحترام .
وكم بينهم من مصالح مشتركه .. والعائلتان أصهاره هو كمأن .أهل زوجته المرحومة والحالية .. أن لم يقفوا معه فى يوم كهذا فمع من يقفوا ؟! بقي مين من عائلات البلد تلات أوأربع عائلات . كل ما شغل باله من هذه العائلات هو عائلة أبو سليمان.. فقد أسرت له أخته شهيرة من مده بأنها رأت إحدى بناتها .. وترى أنها عـلى قدر من الجمال يناسب عمدة القرية الجديد . إلا أنه تريث فى الأمر وطلب منها عـدم إثارته إلا بعد أن يصبح العمدة حتى لا تحدث مشاكل مع أهل زوجته الحالية .. وفى هذا الوقت بالذات .. إلا أنها أخبرته أنها سوف تتودد إلى البنت وأهلها.. وتلمح تلميحات لاتحاسب عـليها حتى تضمن ولاء أهلها له . فوافقها عـلى هذا الرأى وأن طلب منها الحرص الشديد .
إلا أن عـبد الجبار رأى أنه بإمكانه ضمان الأغـلبية المطلقة فى صفه إن أحسن مغازلة كل كبير عائله بأن مصالحه ومصالح عائلته سوف تكون نصب عـينيه أن حصل عـلى تأييده . عـلى أن يكون هذا الأتفاق بشكل سرى لايعـلم به أحد من منافسيه فيفعل معهم نفس الشىء . عـلى أن يستعين فى إتمام ذلك الأمر بعمه ومن يتوسم فيه الكتمأن من أصهاره ونسبائه .
وكما خطط عـبد الجبار وعـمه وأخته .. تمَّ اجتماع المجلس العرفى للقرية.. وذلك فى المسجد الكبير كمكان محايد .. من كبير كل عائلة بالإضافه إلى شيخ الجامع ومأذون القرية وشيخ الخفراء ومساح القرية عـلى أساس انهم من المهتمين والمسيرين لشئون القرية . بالإضافه إلى حشد كبير من الأهالى . ورأس الإجتماع الشيخ عـبد العزيز إمام المسجد .. وبعـد أن طلب من الجميع قراءة الفاتحة قال :
ـ الحمد لله الذى هدانا لهذا وما كنا نهتدى لولا أن هدانا الله .. وأما بعد فقد أمر الله بالشورى فقال فى كتابه الكريم " وشاورهم فى الأمر " كما حض رسوله الكريم عـليها بقوله فى الحديث الشريف "وأمرهم شورى بينهم " فالشورى مبدأ إسلامى ثابت بصحيح الكتاب والسنة.. وأخذا بهذا المبدأ الإسلامى الكريم نجتمع اليوم لإعلائه والأخذ به من خلال هذا المجلس العـرفى أو مجلس شورى القرية الذى يمثل فيه كل عائلات القرية وأصحاب الرأى فيها . وقد تم الأتفاق عـلى التعهد بالإلتزام بما يصدر عـن هذا المجلس والذى سيخرج عـن الإجماع سيتم تطبيق الشرط الجزائى عـليه وهو عـدم رد مبلغ التأمين إليه بالإضافه إلى ذلك .. سوف نتعاهد جميعا .. عـلى الوقوف ضده فى الإنتخابات إذا قدر إجرائها .. وذلك لأن من سيخرج عـلى إجماع القرية يكون آثم قلبه .. فيد الله مع الجماعـة .
وبدأ التصويت عـلى كل مرشح من المرشحين سريا. وذلك بأن جلس الشيخ عـبد العزيز فى حجرة الإمام .. وكل من له حق التصويت يدخل عـليه ليسجل إسمه تحت إسم المرشح الذى إختاره . وأقسم بالله عـلى ألا يبوح بأسرارهذا التصويت لأى مخلوق بعـدها حتى لا تحدث مشاكل بين العائلات بعضها وبعض . ولكل كبير عائلة صوت واحد..وكان عـددهم اثنى عـشر شخصا بالإضافة للأصوات الأربعة الأخري. وانتهى التصويت إلى حصول شقيق العمده الراحل عـلى ثلاثة أصوات .. وعـبده أبو سليمان عـلى صوتين .. وحصول عـبد الجبار عـلى بقيه الأصوات . وبعـد انتهاء التصويت .. صعـد الإمام المنبر ووقف عـند الدرجة الثالثة منه . وبعـد أن حمد الله وأثنى عـليه قال :
ـ أن هذا اليوم .. يوم تاريخي .. بالنسبة لنا جميعا وإننى من عـلى هذا المنبر وقبل إعلان النتيجة أؤكد عـلى ضروره الإلتزام بكل ما تعهد به كل مرشح حتى لاتكون هناك فتنة .. وبمجرد إعلان النتيجة أرجو من المرشحين اللذين قد لا يوفقان أن يتقدما للمرشح الفائزمعانقين مهنئين ومؤكدين له عـلى أن يكونوا معه يدا واحدة إن شاء الله . والآن أعـلن لكم الفائز بمشيئة الله .
إيها الأخوه الفائز هو .. عـبد الجبار .
عـند ذلك حدثت همهمه وبدأت بعض الأصوات تعـلو معـلنة ارتياحها .. وصفق بعـض الرجال .. وأخذ التصفيق يتزايد حتى شمل كل الموجودين بالمسجد . فلم يجد المرشحأن الآخرأن امامهما بدا من أن يتقدم كل منهم إلى عـبد الجبار مهنئا ومعانقا .. واستمر التصفيق وتصاعـد حتى تم للاثنين معانقه عـبد الجبار .. ونزل الإمام من عـلى المنبر، وعلامات الارتياح تكسو وجهه.. والابتسامات تعـلوا وجوه الناس .

ــ 4 ــ

ما إن أعـلن فى القرية أن عـبد الجبار أصبح العمدة .. حتى عـمت الأفراح عائلة برهان .. عـلى وجه الخصوص . والقرية عـلى وجه العـموم . وبادرت عـائلات القريه كلها بمباركة عائلة برهان .. وتقـديم الهدايا المناسبه لهذا الحدث .. فمن قام بذبح عجل أمام منزل العمدة لحظة وصوله من المركز بعد صدور القرار الادارىومعه تليفون العمدة .. ومنهم من أطلق النيرأن ابتهاجا .. وتم اعداد الطعام لكل الموجودين .. بعد إحضار طباخين من المدينه القريبه خصوصا . واستقبل العمدة الجديد المهنئين من أهل القرية والقرى المجاورة فى المضيفة التى كان يجلس فيها هو وشيخ الخفـر .. ورصت الأرائك الخشبية أمام الدار بطول الشارع .. واصطف الجلوس يستمعون للمتبارين فى إلقاء المواويل والأغانى الشعبية .. والراقصين فى ليلة صيفية .. اكتمل فيها القمر .. وسادها نسمات لطيفة شجعت الناس عـلى السهر.
وبعد انتصاف الليل بقليل .. استأذن عـبد الجبار من المحيطين به .. وتأبط ذراع عمه الشيخ إبراهيم واصطحبه إلى الداخل .. فى حجره نومه وأرسل فى استدعاء أخته شهيره .. وجلس الثلاثه .. وابتسامه الرضى تعـلوا الوجوه.. والفرحة تهز النفوس .. حتى بدأهم عـبد الجبار قائلا :
ـ راحت السكرة .. وجاءت الفكرة .
ـ خير .. سكره إيه.. وفـكرة إيه .
قـــال ذلــك عــمـه إبراهيم :
ـ أقصد اننا لازم نرتب أمورنا .. من هنا وجاى .. عـلشأن تمشى الأمور بشكل كويس .. والعمودية اللى دخلت عيلة برهان ماتخرجش منها تانى ياعم إبراهيم .. دى ناحية .. والناحية التانية العمودية لازمها شوية حاجات كده .
قالت شهيرة :
ـ ذى ايه .
ـ دار كبيره تناسب العمده .. والا إيه ياعم إبراهيم ؟.
ـ وماله يا ابنى .. الأرض الفاضية كتيرة فى البلد .. بس عايزك تبنى دارك هنا .. وسط العيله .. عـلشأن كلنا نكون حواليك .
قالت شهيرة :
ـ أنسب مكان .. الأجرأن اللى فى أول الحارة .. كلها أرض وقف .. حط ايدك عـلى المساحه اللى انت عايزها .
ـ بس يابنى عايزك تتمهل شويه .. عـلشأن الناس ماتقولش ماصدق بقى عمدة وبدأ يحط ايده عـلى الأراضى الوقف .
ـ كلامك زين ياعمى .. نمشى الأمورشوية بشوية .. وليكن بعد ستة شهور ولا سبعة نبدأ فى البناية .
ـ وبعد البناية .. أن شاء الله تكون مع الدار الجديدة .. العروسة الجديدة .
ـ عروسة مين ياشهيرة .
ـ رقيه بنت عبده ابو سليمان .. ياعمى .
ـ والله فكره .. يابت ياشهيرة . وأهو منها البنت حلوه.. ومنها نرضى عيلة أبو سليمان .. وخاصة إنهم كان عـندهم أمل فى العموديه .
ـ كــلام زيـن .. اتـفـقـنا عـلى كـده .
ـ عـلى خـيـرة الـلـه .
وعـندما هم العم إبراهيم قائما .. وضع عـبد الجبار يده عـلى كتفه الأيمن .. معـيدا إياه لمجلسه برفق .. قائلا :
ـ عم إبراهيم .. أنا مـش هاقـول لك مـتـشـكرين .
ـ متشكرين عـلى إيه .. ده أنت ابنى . وقام من مجلسه واحتضه بقوه قائلا :
ـ ده أنت ريحه أبوك الغإلى الباقية عـلى وش الدنيا .
ـ وعهد عـلى ياعـمى إنك تكون دايما كبير العيلة وسيدنا كلنا .. وأن أكون ذى ابنك الصغير .
ـ لا .. لا.. ياعـبد الجبار .. أمور العمودية ده شغلك إنت .. يابنى وأنت قدها وقدود . ولن أبخل عـليك برأى أو مشورة عـندماتطلبها . أما أمور العـيلة فذلك حقى أنا ولن أتنازل عـنه . قال ذلك وهو يرفع سبابته ضاحكا .
وضحكا جميعا وخرجا كلا إلى داره تاركين العمدة ليخلد للراحة بعد يوم طويل بدأ مع أول اشراقة للشمس . وسرعان ماحضرت زوجته أم هاشم .. وأغلقت الباب خلفها .. لتقدم للعمدة الجديد .. تهنئتها الخاصة .
ــ 5 ــ

أمام الشارع الذى تسكنه عائلة برهان .. أرض فضاء . وبحكم كونها فى زمام العائلة .. كانت تستخدم كأجرأن لهم .. لدرس القمح والأرز .. وتشون بها أكوام قش الأرز والتبن بعد عـملية الدراس .
حقا إنها ملك الأوقاف .. إلا أن العائله لاتدفع للأوقاف شيئا مقابل ذلك .. أو وضع اليد .. الذى لم يكن محددا لشخص معين .
وبعد مرور المدة التى حددها عـبد الجبار لنفسه .. اصطحب عـمه إبراهيم .. وبعضا من أولاد عـمومته .. والشيخ منصور مساح القرية .. والخبير فى وضع الرسومات الهندسية لمن يرغـب من أهالى القرية.. فى بناء بيت له. وقاموا جميعا بمعاينة الأرض الفضاء لاختيار المكان المناسب لبناء الدار الجديدة .. والتى ستكون مقرا للعمودية .
وبعد أن تم ذلك .. وكان الوقت قبل غـروب الشمس فى يوم لطيف الحرارة . أخذ العمدة وعـمه والمساح جانبا.
ـ عايزها سراية .. كبيرة .. ياشيخ منصور. وتكون من دورين وبالحجر. والمطارح واسعة كده وبرحة وعالية الجدرأن .. وآهى الأرض قدامك واسعة .. وكمأن عـايز لها فرانده كبيرة تساعى الناس عـلشأن نبطل قاعده الشارع دى .
وافق الرجلان عـلى كلام العمدة .. وأخذ الركب يتحرك عائدا ناحية دار العمدة .. حيث جلسوا أمامها . وبعد أن أحضر الخفيرالشاى .
قـال العمدة :
ـ هيه ياشيخ منصور.. أمتي تكون جاهز بالرسم ؟
ـ كلها كام يوم أن شاء الله ونبدأ فى البناء .
ـ لأ .. أنا عـايزك تفكر فى رسمه كويسه.. وعـلى ما نحفرالأرض.. يكون الرجال عـملوا كم قمينة طوب وحرقوها.. عـايزها بالطوب الأحمر ياشيخ منصور .
ـ وماله ياعـمدة .. ده كله مايزيدش عـن شهر .. بإذن الله .. ونبدأ فى المبانى .. سيبها عـلى الله .. وعلىّ .
وأنصرف الجمع للعشاء . وبعد أن فرغ العمدة منه .. أقبلت عليه شهيرة وبصحبتها عمها .. وقد عـزمت عـلى فتح موضوع العروس الجديدة .. فدخلوا حجرة نومه وأغـلقوا عـليهم بابها .
ـ مادام الدار وبدأنا فيها .. يبقى نبدأ فى موضوع العروسة كمأن ياعـمده .
ـ وليه العجلة .. ياشهيرة .
ـ لاعجلة ولا حاجه ياخويا .. أقله عيلة أبو سليمان تعاونك فى المبانى .
ـ ياستى .. ياعنى هاتقف عـليهم .
ـ ولـيه لأ يـا بنى ؟
ـ يعـنى أنت موافق ياعـمى ؟
ـ خير البر عـاجله .. ياعـريس .
ـ طيب مش الاصول نعـرف عـيلة أم هاشم الأول .
ـ الأصول يابنى .. أنا هاروح لهم بنفسى وآخد بخاطرهم بكلمتين .
ـ لأ .. لازم أكون معاك من باب الذوق .
قالت شـهـيره :
ـ وأنا كمأن معاكم .. بينا نروح لهم دى الوقت .. والليلة الجايه .. أن شاء الله .. نكون عـند عـبده أبو سليم .
وخرجوا جميعا دون أن يلاحظوا أم هاشم التى كانت تقف عـلى يمين الخارج مستكينة .. كأنما كانت تشعر بما يحدث . حقا لاتستطيع أن تنكر .. أن قـلبها قـد أحس بأن هناك شيئا ما .. يدبر . وخاصة أنها لاترتاح تماما لعمتها شهيره .. كما تطلق عليها .إلا أنها نظرا.. لما تعرفه من قربها لزوجها لزمت جانب الحذر .. فى تعاملها معها .. ولم تظهر لها إلا الـود وكل مظاهر الترحيب والإحتفاء بها عـند لقائها فى أى مكان . وعـندما وصل إلى سمعها بعض الهمس عـن تزويج العمدة .. ازداد وجدها عـليها . فلماذا تحضر لها ضره ؟! ومادخلها هى ؟! أترضى لنفسها ذلك الوضع ؟! .
إلا أنه رغـبة منها فى استمرارالحياة هادئة .. وكعادتها.. تميل دائما لترك الرياح تمر .. حتى لاتنكسر أمامها .. وأهو زوجها برضه مهما كان . استكانت لذلك .. وهيأت نفسها للأمر وأن كان بها غـضاضة لاتنكرها .

ــ 6 ــ
بعد أن خرج العمدة ومن معه .. جلس عـبده أبو سليمان .. وحده . وقد أخد بما تم .. و حدث و سمعه .. حقا.. الرجل عـمدة القـرية . إلا أن فى قـلبه غـضاضة منه. ولكن والحق يقال الرجل لايوجد ما يعـيبه . وأن كان كبيرا بعض الشىء .. عـن ابنته التى لم تتجاوز العـشرين من عـمرها .. إلا أنه عـمدة البلد . وأين سيجد من هو أفضل منه لابنته ؟ ولكن لم يكن ذلك وحـده .. هو مايشغـل باله ويفكر فيه . فهو فى حقيقة الأمر لايستطيع أن ينكر بينه وبين نفسه.. أنه كان لديه الطموح فى أن يكون هو العمدة .. لولا أن المجلس العرفى اختار عـبد الجبار . وأنه وأن كان قد آثر الالتزام بقـرار المجلس.. الا أن طموحاته ما زالت تتحرك بداخله بين الحين والآخر.. لدرجة أحس معها بشىء ينمو بداخله نحو عـبد الجبار .. شىء لايستطيع أن يدعى أنه كراهيه شخصيه . لكن هناك شيئا ما داخله ضده . شيئاً ما يحـسه أى إنسان.. تجاه أى شخص يقـف فى طريق تحقيقه لأحلامه . فـماذا يفعل الأن ؟ ! وبماذا يرد عـلى الرجل ؟! حقا لقد أبدى أمام زائريه السعادة .. وعـندما طلب الشيخ إبراهيم رأيه .. أنقذه عـبد الجبار قائلا:
ـ لا .. ياعـمى سيب الرجل يفكر .. ويشاور عـيلته .
ـ ها يشاور فى إيه يا عـمدة ؟
ـ لأ .. لأ .. ياعـمى الأصول .. أصول . اليوم الإثنين.. يوم الجمعه أن شاء الله بعـد الصلاة .. تيجى له ياعـمى وتشرب معاه الشاى وتسمع رده .. وأن شاء الله ما يكون إلا الخير .
ـ خير إن شاء الله ياعـمدة . وجد الرجل نفسه يقول ذلك.. مخرجا نفسه من الحرج الذى وجد نفسه فيه .
عـند ذلك وقف العمده .. فوقف الكل معه .. وصافح صهره القادم .. وخرج هو ومن معه .
عـندما وجد أبو سليمان نفـسه وحده .. تنحنح الرجل.. هـرش رأسه.. أسفل الطاقيه البيضاء التى اعـتاد عـلى وضعها عـلى رأسه صيفاً وشتاء وكأنما أراد أن يتأكد من يقظته وانتباهه وأنه لايحلم . ثم اعـتدل فى جلسته عـلى الأريكة ونادى زوجته التى هرعـت إليه وكأنما كانت تقف عـلى الباب . وحكى لها ما حدث .. فارتسمت عـلى وجهها علامات السعاده والرضى .. ولما لاحظت شيئاً ما فى نفس زوجها .. بحكم عـشرتها الطويله معه .. تملكت مشاعـرها وقالت :
ـ وإيه ... قولك ياخويا .
ـ والله ما أنا عارف أقول لك إيه .. عـموما .. أهو الوقت لسه بدرى .. قدامنا يومين نفكر فيهم عـلى راحتنا .. وكمأن ناخد رأى البنت .. ورجاله العيلة برضه .
ـ الرأى رأيك ياخويا ... وأن كنت شايفه أن الراجل مايتعايبش .
رنا إليها صامتا .. ثم قال :
ـ ربنا يعـمل مافـيه الخير .
وتاهت نظراته ..سرح بخاطره .. لما قد يحمله الغد .

ــ 7 ــ

بدأ يموج فى القرية أقوال .. وإشاعات كثيرة .. بعـدما أعـلن عـن نية عـبد الجبار فى بناء سراية جديدة .. والزواج من ابنه عـبده أبو سليمان.. فمن قائل :
ـ وبدأ العمدة فى ممارسة عـموديته .. بالعروسة والسراية .. ياترى بعد شويه فيه إيه تانى ؟.
ـ ياعـم ده عـبد الجبار .
ـ ياجماعة .. ده عـمدة برضه .. ولازمه دار مناسبة. وأكمل آخر .
ـ وعـروسة مناسبة .. تجدد له شبابه .
ـ ياعـنى ياخويا داره كانت مالها .. ثم أن الأرض اللى ها يبني عـليها دى أرض مين . والناس بعـد كده هاتدرس فين ؟.
ـ آهى .. كانت أجران عـيلته وهو حر معاهم .
ـ طيب ياسيدى نطلع إحنا منها .
معـظم الأحاديث الجانبية كانت تبدأ وتنتهى هكذا .. إلا أن مجموعة من أهل القرية .. بالرغم من كل ذلك.. كانت ترى أن الرجل .. حتى الأن لم يفعل ما يؤخذ عـليه .. فلم نسمع عـنه أنه انتهك عـرض أحد .. أو نهب أرضا .. كالعمد السابقين .
إلا أن عـبد الجبار لم يأبه.. بكل ماكان يقال حوله.. وينقله له رجاله وخفره . وبدأت حركه إعـداد المعاجن .. لصنع الطوب اللبن .. ورصه فى قمائن .. وحرقها . وتم حفر الأرض التى سيتم البناء فوقها تأهبا للحظه البدء . وفى كل يوم كان يتوافد عـلى العمل عـشرات الرجال المتطوعـين بالاضافة إلى الرجال المشاكسين .. والمحجوزين فى دار العمدة .. وجاملت عائلات القرية عـمدتها فكانت صوانى الطعام للعاملين تتوافـد من البيوت.. تحملها فتيات العائلات الجميلات.. مما كان يوفر فى موقع العمل نوعا من الحماس و الالفة .. بين الموجودين . ولم يخل الأمر من توافد كبار الرجال فى القرية.. مباركين ومهنئين وجالسين بعـض الوقت لرفع الروح المعنويه للعاملين .. والإيحاء للعمدة بروح المجاملة والمودة .. فكنت تسمع صوت الأغانى الصادرة من العاملين والعاملات .. مختلطة بصوت الأغانى الصادرة من المذياع .. حتى انتهى إعـداد القمائن وحرقها فى وقت قياسى .. وتم وضع الأساس والانتهاء من البناء وبعد ستة أشهر .. لاتزيد . كانت سراية العمدة .. قائمة من دورين عالية شامخة وسط الدور التى حولها .. شاهدا عـلى بداية عـهد جديد . وبدأت مرحلة تشطيبها وإعـدادها للسكنى . ولم يمض غـيرشهرين آخرين.. حتى كانت جاهزة لانتقال العـمدة إليها .. إلا أن عـبد الجبار .. كان قد اتفق مع معـرض موبيليا فى دمياط.. عـلى إعـداد حجرة نوم جديدة.. لزوم العروسة الجديدة .. وكذلك حجرة سفرة .. وصالون .. وبعـد إحضار العفـش تم الانتقال إلى الحياة الجديدة .

ــ 8 ــ

انتقل العـمدة إلى السراية .. واحتفل بعروسته احتفالا يليق به وبها .. وأطعم الطعام ودعا كبار رجال البلدة .. ووجدها فرصة مناسبة لدعـوة مأمور المركز وضباطه .. ورؤساء بعض المصالح الحكومية..التى كثيرا ما يحتك بهم بحكم العمل . وكان يوما مشهودا فى القرية .
وبدأ يمارس نشاطه بعـد أسبوع قضاه عـريسا جديدا.. أغـترف من عـسله مايشاء هو وعـروسته . وأول مافكر فيه بعـدها .. أن جمع أسرته الصغيرة .. وجلس بينهم فى حجرة المعيشة .. التى خصصها للطعام والجلوس لأفراد العائلة أثناء اليوم .. وأخذ ينظر إليهم .. متأملا كأنما يراهم لأول مرة .. ولفت نظره .. أن أبنه وفيق أصبح شابا يافعا .. وتذكر أنه اقترب من العشرين . فقال لنفسه :
ـ إيه ده ياعبد الجبار .. أفتكرت نفسك.. ونسيت إن إبنك كبر.. وبقى عـلى وش جواز.. ده زمأن اللى فى سنه عـندهم عـيال .. ياترى الواد بيقول فى نفسه إيه عـلىّ دلوقتى ؟ آه منك ياعـبد الجبار !! ليه كده ؟! . الواد ده من صغره كده وهو بعـيد عـنى ليه ؟ ليه ياوفيق ياابنى ؟ نادرا ما تقع عـينى عـليه طوال النهار .. ياترى بيعمل إيه الوقت؟ وبيقضى وقته إزاى ؟.ومين هما أصحابه من شباب العيلة ؟
لابد أسأل عـليه الغفـر، أكيد يعرفوا كل جاجه عـنه .
أحس أن فترة صمته قد طالت ... هرش رأسه .. وقال :
ـ تعإلى جانبى ياوفيق.. اللهم صلى عـلى النبى .. ده أنت اللى عـريس مش أبوك .. طول بعرض .. تملى العين.
وأقعده بجانبه عـلى الأريكة وربت عـلى ظهره بحنأن .
ـ هيه.. حاطت عـينك عـلى مين من بنات البلد . شد حيلك كده وقوللى عـليها .. عـلشأن نجوزك عـلى طول .
أحنى وفيق رأسه حياء.. أمام والده .. ولاذ بالصمت.
ـ إيه .. مش عـايز تقول لى .. والا أنت مكسوف من نسوأن أبوك .
" آه يابنى .. منذ ولادتك وأنت يتيم الأم .. لم تشعر بحنأن الأم وعـطفها .. وأكيد مرات أبوك أم هاشم.. ماكانش عـلى بالها . إن شاء الله أختار لك عـروسة.. تعـوضك عـن ده كله . " ثم التفت إلى ابنته زينب .. رنا اليها متأملا .. فتاته التى أصبحت أبنة الثامنة عشر.. عـروسة تملا العين .. طويلة .. بادية الأنوثة .. مليحة الوجه .. صبية بمعـنى الكلمة . والله كبرت عـيالك وأنت ملهى عـنهم يا عـبد الجبار. إزاى البنت دى لغاية دلوقت ماتقدملهاش حد ؟!.أعـدمت القرية شابا يقـدر هذا الجمال؟! ولا إيه اللى بيحصل حواليك ياعـبد الجبار؟ !. تنحنح .. هز رأسه .. والتفت إلى زوجتيه . بدت له رقـيه أكثر جمالا وتألقا من أم هاشم .. فأحس بالزهو .
ـ أنا كنت عـايز أقول يا أم هاشم أنت ورقـية .. ولادى دول ولادكم اللى أنتم ماولدتهومش . وأنت ياأم هاشم .. رقـيه أختك الصغيرة. ومش عـايز أى مشاكل بينكم ولا أسمع لكم حس .. بيت العمدة ماينسمعش له حس. لامشاكل بينكم ..ولا كلام من اللى بيحصل بين الضراير .. مش معقول .. أنا اللى يكون عـلىّ حل مشاكل البلد .. ويكون بيتى فيه أى مشاكل . الكلام ده عـايزه يكون ذى الحلق فى ودن كل واحد وواحده منكم .. مفهوم .
أمن الجميع .. خشية واحتراما .
ـ كل واحدة منكم .. لها حجرتها .. تعـمل فيها اللى هى عايزاه .. بعـيد عـن التانيه .. ومن غـير أى احتكاك بالتانيه .. واللى تعـوز أى حاجة مش موجوده فى البيت .. تطلبها منى أنا . واللهم صلى عـلى النبى .. الشغالين كتير فى السرايه .. ومريحنكم عـلى الآخر . عايز أبقى فايق لشغلى وبس .. البلد همها كبير . خلاص خلص الكلام اللى عـندى . فيه حد عـنده كلام عايز يقوله ؟.
فلاذ الجميع بالصمت .
وعـلى ذلك انتهى الاجتماع العائلى .. وقام العمدة متجها إلى الحجرة التى خصصها لعمله وسماها المضيفة أيضا .. وبها التليفون . أما البلكون .. فهو المكان المخصص للجلسات التى يكثر فيها الناس .. وللصيف عـلى وجه العموم .. حيث يحلو الجلوس وقت مابعد العصر حتى انتصاف الليل .
وبمجرد دخوله الحجرة .. قام الجلوس .. وكان من بينهم خفيره الخصوصى .. ما إن وقع بصره عـليه .. حتى أمسك بذراعه .. واصطحبه إلى ركن بعـيد فى البلكون .. وأجلسه بجانبه فى تودد .. بعـد تمنع شديد من الخفير .. فكيف لة أن يجلس بجوار العمده ؟ !.
فنهره العمده .. قائلا :
ـ اقعد هنا .. أنا عايز أتكلم معاك فى حاجة مايعرفش بها مخلوق .
ـ خير ياحضرة العمده .. أنا تحت الأمر .
ـ الواد وفيق .. ابني .. باين عـليه .. كبر وأنا مش واخد بإلى .
ـ ربنا يخليه لك ياحضرة العمدة .
ـ إيه رأيك .. فكرت أجوزه .
ـ ونعم الرأى .. بالصلى عـلى النبى .. قـرب من العشرين سنة .. وحل له الجواز من سنتين تلاته .
ـ طيب .. ومين اللى تستأهله ياواد ؟ .
ـ كتير .. البلد فيها بنات كتير حلوه . ثم صمت لحظات .. وقال :
ـ هو هايلاقى أحسن من بنت عـمك إبراهيم الصغيره.
ـ امتثال .
ـ أيوه ياعـمدة .. زينة العرايس .
ـ والله عـندك حق ياوله . وادعى التفكير للحظات ثم عاد ليسأله .
ـ بس أنا كنت عايز أعـرف منك .. أن كان هو حاطط عـينه عـلى حد ؟ ولا يعرف حد كده ولاكده ؟.. عـلشأن مكسرش قلب الواد .
بادر الخفير مدافـعا .
ـ لا.. لا ما يعرفش حد .
ـ ايه .. ياواد أنا قصدى أعـرف .. مايعرفش بنات .. نسوأن .. كده ولا كده .. ماهو برضه شاب .. وأنت عارف طيش الشباب وزمانه له لحظات طيش برضه .. يعنى .. بيعمل فيها أيه ؟ .. بتاع بنات .. بتاع نسوأن .. بيشرب جوزه .. بيشرب مخدرات ؟؟ الحاجات دى .. ياواد عايز أعـرف عـنه كل حاجة .. ده ابنى الوحيد وعايز أكون مطمن عـليه .. ويكون تحت عـينى دايما .
صمت الخفير لحظات .. يراجع فيها نفسه .. ولم يعرف كيف يجيب العمدة .. وخاصة أنه يعرف كل كبيرة وصغيرة عـن وفيق والأمين عـلى أسراره . ولما طال صمته .. لكزه العمدة فى صدره وزمجر قائلا :
ـ اتكلم ياواد .. ومش هاعـرفه إنك قلت لى أى حاجه .. ما أنا ملاحظ انكم أصحاب قوى .. عـلشأن تفضل تعـرف كل حاجة وتحكيها لى برضه .. هيه اتكلم .
ـ يعـنى ياعـمدة ..
ـ يعـنى إيه .
ـ هو بصراحه .. غـاوى حريم .
ـ إزاى ياواد .. دى الخصلة اللى مش فى رجالة العيلة كلهم . . يمكن لوكنت قلت لى بيشرب حشيش كنت قلت ذى بعـضه إنما الحريم دى صعبه عـلى قـوى ياواد .
ـ دى واحده .. بس .. هو مرافقها من ورا جوزها .
ـ وكمأن متجوزه .
ـ بس مالهاش فى الخلف .
ـ بتخلف ولا مابتخلفش.. ماهوزى بعـضه .. وبعـدين ياواد .. واحده بس ؟ ولا فيه غـيرها كمان؟ .
ـ هو بصراحه كان فيه أكتر من واحده .. لكن من يوم ماعـرف اللى معاه دى الوقت .. وهو ماعـرفش غـيرها .
شرد بذهنه .." ليه يا وفيق يا إبنى .. كله إلا الزنا .. ده آخرته يا الفقر.. يا العمى . ودايما شيخ الجامع كل ما يقعد معايا يقوللى :
ـ اللى باحبه فيك .. يا عـبد الجبار .. من صغرك وأنت ربنا يحرسك .. بعـيد عـن الزنا . ودى يا بنى سكة آخرتها يا الفقر .. يا العمى أعـوذ بالله . فأحرص عـلى ألا تقع فيه ياعـبد الجبار". هرش رأسه بيمناه .. طلب من الخفير الإنصراف . جلس وحده مهموما .
" يبقى مافيش غـير اننى أجوزه بأسرع مايمكن .. والجواز آهو برضه حمايه " وبينما هو يفكر فى ذلك .. مر عـليه وفيق خارجا .. فناداه .. وأجلسه بجانبه .
ـ أيه رأيك فى امتثال ؟.. بنت عـمى الشيخ إبراهيم .. زينة العرايس . أخذ وفيق .. فلم يحر جوابا .
ـ اتكلم يابنى .. موافق ولا حاطت عـينك عـلى واحده تانيه ؟.. كل شىء ممكن يكون بالغـصب .. الا الجواز لازم يكون بالاتفاق.
ـ اللى تشوفه.. يابا .
ـ مش اللى أشوفه .. اللى أنت تشوفه .. عـلشأن بعـد كده أسمع أنك لعـبت بديلك .. ها أقطعه لك . قال ذلك وهو يرفع سبابته محذرا وينظر إليه بحدة .. أرتعـدت لها فرائصه .. وتيقـن أن والـده يعـرف عـنه كل شىء .
ـ خلاص يابا .. موافق .
ـ فكر ليوم الخميس الجاى .. ليلة الجمعة .. ها أخدك ونروح نطلبها لك من عـمى إبراهيم .. وأن شاء الله نقرا الفاتحه .

ــ 9 ــ

رفض العمدة من البداية أن تكون حظيرة المواشى داخل السراية .. وأصر عـلى أن تكون بجوارها .. مبنى ملحقا بها يكون مدخله من باب جانبى بالسراية . . يوصل إلى ممر قصير.. منه إلى الحظيرة ..وعـلى جانبى الممر.. جداران يمنعان المارة من رؤية الداخل و الخارج . وبأحد الجدارين ..باب كبير .. يسمح بدخول المواشى وخروجها . وسقف الحظيرة .. بعروق خشب وعيدأن الغاب وقش الأرز . بحيث لاتسمح لأحد بالمرور فوقها . وكان قد اشترى حصانا .. ودوكاراً. لزوم تنقلاته .. وذهابه إلى المركز. حتى لايضطر إلى ركوب قطارالدلتا .. الذى لايحفـظ للراكب إحترامه وهيبته من شده الزحام . وخص واحداً من الأنفار التى تعمل لديه.. للعناية بالحصان والإهتمام بالدوكار ونظافتهما .. وقيادته فى حالة الحاجة إليه . ويحتفظ بالدوكار فى المخزن الذى يتم فيه تشوين .. متطلبات الحظيرة من غـذاء للحيوأن وخلافه . واختص أنشط خفره .. بالحراسة الليلية للسراية وملحقاتها .
وإن كان عـبد الجبار .. واثقا تمام الثقة من استتباب الأمن فى القرية . ولا يتصورأن يوجد من بين أهلها .. مهما كانت جسارته وجرمه من يفكر.. مجرد تفكير .. فى السطو عـلى سراية العمدة أو حظيرة مواشيه . إلا أنه خصص لها خفيرا من باب الوجاهه .. ليس إلا . ومع إنه تنامى إلى مسامعه .. من بعـض المترددين عـلي مجلسه .. حدوث بعض الحوادث الصغيرة .. كسرقة بعـض الأشياء البسيطة .. جوال أرز .. أو جوال قمح مثلا من إحدى الدور . وغالبا ماتكون دور أناس ميسورى الحال . فلا يشكون إليه لبساطة السرقة . كما أن الخفر لايبلغونه لتفاهتها . من ناحية .. ومن ناحية اخرى .. حتى لا يعرف أنهم مقصرون فى عـملهم .
وعـندما كثرت هذه الحوادث .. فكر فى أن يستخلص بعـضا من الرجال والشبأن الذين يعملون عـنده .. وخاصة من يتوسم فيهم الإخلاص والطموح .. ويقربهم إليه من بعيد لبعيد .. حتى لايعرفهم أحد . لإخباره بكل صغيرة وكبيرة تحدث فى القرية . فكيف يكون العمدة ولا يعرف دبة النمله فيها ؟!. واتفق معهم .. إذا كان لدى الواحد منهم مايريد إبلاغه به بشكل عاجل .. فما عـليه إلا أن يمرعـليه حتى لو كان فى وسط الرجاله .. ويقول :
ـ السلام عـليكم .. يا أبو وفيق .
عـندها سوف يفهم .. ويتصرف ليختلى به ليسمع منه ما عـنده .. وحرص قدر الإمكان ألا يعرف أى منهم الآخر.. حتى يكون كل منهم عـينا عـلى الآخر أيضا . ولم يكتف بالرجال .. بل طلب ذلك أيضا من بعـض النساء .. اللاتى توسم فيهن القدرة عـلى القيام بذلك بسهولة ويسر.. كبائعة الجبنة .. وبائعة الطيور . حيث يتيسر لهن دخول البيوت .. ومخالطة النساء فى الأسواق .. وحتى فى أى مكان وتعرفـن منهن الخافية . وعـلى ذلك لم يكن العمدة يخلد للنوم .. الا بعد أن يعرف من مصادره الخاصة .. كل مايعـن له معرفته من أمور القرية .. وأهلها . وخاصة عـن أقربائه وخلصائه وكبار العائلات .

ــ 10 ــ

بعد أن خلا منصب شيخ البلد .. الذى كان يشغله العمدة .. أصبح عـليه .. أن يختار واحداً من رجالته ليشغله. وفى غـمرة الأحداث التى مرت .. بعـد توليه العمودية .. أجل التفكير فى هذا الموضوع . إلى أن اتصل به ضابط مباحث المركز.. طالباً سرعـة إختيارالرجل الذى يراه مناسبا.. والحضور لعـرض الأمر عـلى السيد المأمور لإنهاء هذا الأمر.
لقد فـكرفى عـمه إبراهيم .. وهل سيكون هناك أفضل منه ؟!. وعـندما عـرض الفكرة عـلى اخته شهيرة .. تلك الليلة . عـندما حضرت بعـد العشاء .. سكتت لحظات.. وقالت :
ـ بقى ياعـبد الجبار .. عايز تخللى عـمك إبراهيم.. كبير العيلة وأكبر راس فيها يبقى تحت أمرك ونهيك ؟!.. مش عـيب عـليك ياراجل ؟؟!!.
بهت عـبد الجبار .. فلم يخطر بباله هذا الأمر .. ولم يفكر به بهذا الشكل إطلاقا . إنما أراد أن يكافئه عـلى مابذله معه من جهد .. والله أعـلم بما فى نيته وضميره . لكن هل يمكن لعمى إبراهيم أن يفكر بهذا الشكل ؟
ـ معقول كلامك ده .. ياشهيرة ؟.
ـ ومش معقول ليه ياخويا . وإستطردت :
ـ أقولك حاجه .. كلمة . قول له إنك عايز تختار شيخ بلد وأطلب رأيه .. وشوف كلامه .. يمكن يكون له رغـبه.. وإلا يكون مابيفكرش زى ما أنا فكرت .
ـ لأ..أنا وأنت ها نروح له دى الوقت .. ونتكلم معاه.. ونشوف رأيه ورأى ولاده .
وبعد أن جلسوا بعـض الوقت .. وعـند خروجهم .. والحاج إبراهيم يسير معهم مودعا .. قال له العمدة :
ـ المأمور طلب منى تعيين شيخ للبلد .. وعايز أعـرف رأيك.. مين الأنسب لها ؟.
صمت الرجل قليلا .. مفكرا .
ـ أيه رأيك ياعـمده .. فى عـبده أبوسليمان.. آهو الرجل بقى نسيبك .. وكان عـنده طمع فى العمودية .. وآهى خطوة .. برضه يمكن تريح نفسيته شويه .
مدت شهيره يدها وضغـطت عـلى ذراع أخيها مستتره بالظلام .. ضغطة فهم المقصود منها . ورغـم ذلك أصر أن يكون كلامه أكثر وضوحا .. حتى لا يلام مستقبلا.
ـ يعنى ياعـمى مافيش حد فى العيله يكون له رغـبه.. يعـنى تكون أنت شايف أنك أولى بيها ؟.قال ذلك وهو يضغط عـلى الحروف .
ـ لأ . قالها قاطعة .. وكأنما يريد أن يقول له أنه فهم مقصده .. ثم أكمل .
ـ يعـنى تبقى العمودية معانا .. ونبص لمشيخة البلد .. ازاى بس يابنى .
ـ وأنت شايف .. يعـنى أن عـبده أبو سليمان أنسب لها من أى حد تانى . قال ذلك كأنما أراد أن يبين أنه غـير متحيز له لأنه نسيبه فقط .
ـ فكر معايا كده .. مش هاتلاقى أنسب منه لها .
ـ خلاص .. ماشى عـلى البركة. واللى فيه الخير يقدمه ربنا .
وتفرقوا كل إلى داره .. حتى إذا وصل السراية .. وجد لديه الرغـبة فى الجلوس بعـض الوقت .. وحده فى البلكونة .. وخاصة لما لاحـظ عـدم وجود أحد .
" عـندك حق ياشهيرة .. أما البت دى عـليها أفكار.. والله أنا ماكان يخطرعـلى بإلى ..اللى حصل ده ..عـموما.. خير اننى أخدت رأيها ولم أتسرع . طب وعـبده أبو سليمان ده حكايه تانيه .. ماهو باقى النسايب والقرايب .. وخاصة أهل رجالة أخواته البنات ها يقولوا.. واحنا كان أيه يعيبنا ؟.. ولا يعـنى مافيش حد فينا ينفع ؟. ولا هى دى أخرة خدمتك ياعـمدة ؟.. إيه أخرة وجع الدماغ دى؟.
ماهو الواحد برضه .. لازم يعمل حساب لكل ده..عـلشأن ماحدش يزعـل ." وأخذ يقلب الأمر فى رأسه.. ويستعرض كل الرجال من القرايب والنسايب .. واحدا بواحد .. ولم يجـد بالفعـل أنسب من عـبده أبو سليمان لهذا الأمر .
تأخر به الوقت وحده . عـندما أدرك ذلك .. نهض من مجلسه متجها إلى الداخل .. ودون أن يدرى وجد قـدماه تقـودانه إلى حجرة زوجته .. رقية أبنة عـبده أبو سليمان .

ــ 11 ــ

يوم أن تم تعيين عـبده أبوسليمان شيخا للبلده . جلس العمدة فى البلكونة .. بعد انصراف رجاله .. ومسامريه . وقد سكن الكون حوله .. رجع برأسه إلى الخلف .. مسندا اياه إلى الحائط خلفه .. أغـمض عـينيه قريرا .
" إيه ياعـبد الجبار. أنت وبقيت العمدة .. شيخ البلد وبقى صهرك .. وشيخ الخفرخاتم فى صباعـك.. هو وجميع خفره .. كبارعائلات.. بين مؤيد وخاطب للود . يعـنى كل البلد.. بقت ملك بنانك تفعل بها ما تشاء ."
فتح عـينيه .. إلتفت حواليه . انتفض من مجلسه .. تحرك حتى أقترب من سور البلكون.. المطل عـلى الحى التى تسكنه العائلة .
أستند بمرفقيه عـلى السور.. رنا بناظريه ناحية القرية .
" إيه ياعـبد الجبار.. بقيت الكل فى الكل .. الشورة شورتك ..والرأى رأيك ". رفع رأسه .. ملأ صدره بالهواء.. وأخذ يزفره فى تأن وتيه . ضرب بكف يمناه عـلى صدره فـوق قـلبه .. فى رضا وتباه .
" كل ما عـليك من هنا وجاى .. أن تحرص عـلى رضا الكبار.. حتى تضمن استمرار الولاء لك .. ولا مانع من أن تغمض عـينيك بعـض الشىء.. بين الحين والآخرعـما قد يفعلوه . يعنى هايعملوا إيه .. ديتها واحد يطمع فى حتة أرض خلا من بتاعة الأوقاف ..ولا حتى اتنين .. ولاحتى كل عـيلة تاخد لها حته .. فيها إيه . حتى أنا ماعـنديش مانع أحدد لكل عـيله حته أرض . وحسب رضاى وقربها منى . وده بعد أن أخد أنا اللى عايزه الأول. أمال إيه .. ياعـنى هما ياخدوا وأنا قاعـد أتفرج عـليهم أنا وعـيلتى . الواد وفيق وبكره يبقى أب .. ولازم الواحد يأمن له مستقبله هو وأولاده .. وكمأن إخواته .. وأعـمامك وأولادهم . والأهم من ده كله .. رقـية وبقت حامل .. وبكره تجيب لها عـيل .. وعايز تأمن له مستقبله ذى أخوه. ومفيش مانع أكتب حاجه باسمى والباقى باسم وفيق .. وزينب . كل واحد ياخد نصيبه ويكون الكل مرضى . أمال إيه ياعـبد الجبار.. أما الرجال والأتباع ومنفذى الأوامر.. فلا مانع من إغـماض العين عـنهم بعض الشىء.. لكن بحساب . حتى لا يتجاوز أى منهم حدوده . أو يفـلت زمامه" .
تحرك من وقفته .. وكله إحساس بالإمتلاء .. زهوا.. سعادة .. غـنى ..سار حتى وصل إلى الدرج المؤدى إلى الشارع . وجد نفسه يخطو بتأن حتى خرج من السراية .. وبعد عـدة خطوات.. أحس به الخفيرالمكلف بحراسة السراية .. فأسرع اليه .
ـ السلام عـليكم ياحضرة العمدة .. إية أوامر ؟ .
لم يجب عـليه .. نظر اليه فى صمت .. ظل فى سيره المتأن . والخفير خلفه .. رهن الإشارة .. حتى إذا ابتعد عـن السراية .. طلب من خفيره العودة . واستمر فى سيره ناحية القرية .. حتى إذا اقترب من داره القديمة .. وجد شيخ الخفرواقفا مع أحد خفره .. حتى اذا رأياه أسرعا إليه.. مبديان الدهشة والولاء .
ـ خير يا حضرة العمدة .. أوامرك ؟ .
ـ لأ .. مافيش حاجة .. مش جاى لى نوم ..قلت أتمشى شويه .. أشوف البلد .. أحوالها إيه .
ـ الكل نايم فى أمأن ياحضرة العمدة ..والبلد عال العال وكلها طوعك وتحت أمرك .
وسارا معا .. وبقى الخفير فى دركه . حتى جالا فى الحى كله .. وعادا أدراجهما ..وهو تارك أذنيه لشيخ الخفـر .. الذى ظل يتحدث عـن إحساس الناس بالأمن والرضى .. وأن كل فرد يعمل فى حاله ودون إية مشاكل.. كل مافى الأمر أن فيه شوية شباب صغيرين ماعـندهمش إحساس بالمسئولية .. أحيانا يسطون عـلى بعـض البيوت أو المحلات لقلة ذات اليد .. ودى ذى ماحضرتك عارف أمور طبيعية .. ومع ذلك هو والخفر صاحيين لهم قوى .
ـ عارفهم يعنى .. ياشيخ الخفر؟.
ـ فردا .. فردا. وقبل أن يكمل كلامه عاجله العمدة .
ـ وسايبهم ليه .. أقبض عـليهم .. وهاتهم أوضة الحجز فى السراية .
ـ من النجمة .. ياحضرة العمدة . . لأ من الدقيقة دى.
سكت وأوسع من خطوه نحو السراية . قائلا :
ـ مش عايز أسمع عـن أى سرقه تانى .. ياشيخ الخفر.. سلام .

ــ 12 ــ

فى صباح يوم ربيعى .. وبعـد أن تناول الفطور.. خرج إلى البلكونة .. يحتسى كوب الشاى .. الذى تعود عـليه بعـد الإفطار يوميا ، حيث جلس مشغول الذهن بزوجته رقـية .. التى إقترب موعـد ولادتها لأول مرة .. ويمنى النفس.. بأن يكملها الله عـليه بالستر..ويرزقه بالولد . كما أنها أمنية زوجته ايضا.. حيث يعـلم تماما أنها تريد الولد .. ليكون لها السند فى دار العـمدة . وبينما هو كذلك .. إذ إقتحم عـليه خلوته خفيره الخصوصى .
ـ صباح الخير ياحضرة العـمدة . فنظر إليه شارداً .
ـ فيه واحد أفندى.. بيقول إنه مندوب الأوقاف .. وعايز حضرتك .
ـ خليه يتفضل . وقام من جلسته يستقبل الضيف . وبعد أن جلس طلب له الشاى . وبعـد أن تبادلا كلمات المجاملة والسلامات .. سأله عـبد الجبار :
ـ خير أن شاء الله .
ـ أنا مندوب هيئة الأوقاف..وجاى أحصل إيجارأراضى الأوقاف من المستأجرين .
كانت معلومات العمدة عـن هذا الموضوع محدودة إلى حد ما .. حيث لم يكن يعرف .. مساحة الأرض الفضاء التابعة للأوقاف .. والأخرى غـير التابعة .. وكم قطعة أرض للزراعة .. وهل يدفع عنها إيجار.. ومن هم المستأجرون لها ؟ وهل كلها مؤجرة ؟. أم توجد أراض غـير مؤجرة ؟. وكم كانت دهشته بالغة .. عـندما عـلم أنها أراض كثيرة .. وتوجد أيضا أراض غـير مؤجرة لأحد رسميا .. وإن كان هناك من يزرعـها غـصبا أو بوضع اليد.. كما أن الأراضى الخلاء ..لمن يضع يده عـليها .. عـند ذلك سأل الرجل وهو ينظر إليه نظرة ذات معـنى :
ـ أكيد حضرتك خرجت من بيتك بدرى .. وتلاقيك ملحقتش تفطر. فصفق بيده . حضر الخفير مهرولا .. فطلب منه إعـداد فطور للضيف .. وعـندما هم الخفير بالانصراف .. زعـق فيه .
ـ لأ ياوله .. خليهم يعملوا له فطير مخصوص .. ويعملوا حسابهم فى الغدا كمان . ثم التفت للرجل مبديا مزيدا من الترحيب .
ـ حضرتك بتشرب سجاير .. مش كده برضه . ابتسم الرجل . فنادى نفرمن الواقفين أمام السراية..وطلب منه احضار عـلبتين من أقرب دكان .. بعـد أن ناوله النقود . جلس بجوار الضيف ..لحظات صامتا .. دارت فيها رأسه .
" إيه ياعـبد الجبار .. ياترى تعرف مين بهذا الأمر؟.. وتدارى عـن مين ؟. ولا يجب أن تكون حويطا .. ولاتعرفش حد ؟ ولا تستنى شويه لغاية ماتعرف كل حاجه عـن الموضوع وبعدين تحدد مين يعرف ومين مايعرفش.وإلا ماتعرفش حد إلا بعـد ما تاخد اللى أنت عايزه .. وبعدين تعرفهم وتوزع عـليهم فضلة خيرك ؟ " أفاق لنفسه عـلى صوت الرجل يقول :
ـ شكرا عـلى الشاى يا حضرة العـمدة .
ـ إيه .. يا راجل . لاشكر عـلى واجب . ده أنت اللى تستحق الشكرعـلى أنك شرفتنا فى اليوم الجميل ده . وأقترب منه .. وهو يربت عـلى فخده بيده متوددا .
ـ وأنت حضرتك معاك كشف بكل أراضى الوقف .. المزروعه والخلا ؟
ـ أمال ايه .. واللى مؤجرة .. والغير مؤجرة كمان .. أمال إيه . قال ذلك وهو يفتح حقيبة صغيرة كانت بيده .. ووضعها جانبه عـند جلوسه . وأخرج منها عـدة أوراق .. أخذ يناولها للعمدة وهو يقول :
ـ دى.. الأراضى الزراعـية .. ودى المؤجرة ..وده ياسيدى كشف بالمستأجرين..ودى الأراضى الغيرمؤجرة.. وعـندك فى كشف المستأجريين.. اللي مسدد عـليه علامة صح .. واللى مش مسدد عـليه علامة إكس..وده كشف بالأراضى الخلاء.. ومساحتها . أخذ العمدة يستطلع ما فى الأوراق وهومذهول . وشد ماكانت دهشته ..عـندما عـلم أن العمدة السابق كان يضع يده عـلى معظم الأراضى الزراعـية .. سواء بالإيجار أو بوضع اليد..ولا أحد يعلم عـن ذلك شيئا .. بالرغـم أنه كان شيخا للبلد !!. عـند ذلك أدرك بينه وبين نفـسه أنه سوف يدخل فى صراع مع عائلة العمدة السابق .. وعـلىذلك يجب عـليه أن يطلع أنصاره عـلى الأمر. . فهم من ناحية أدواته التى سوف يقومون بتنفـيذ ما يريده منهم . ومن ناحية تانيه .. هم رجاله وأنصاره الذين سوف يعتمد عـليهم فى صراعه مع عائلة العمدة السابق . عـند ذلك حضر النفر الذى كان قد أرسله لشراء السجاير.. فأخذه تحت إبطه وسار به قليلا مبتعدا عن الجالس ثم همس له :
ـ عايزك زى الفريرة .. تجرى تنده عـمى إبراهيم .. وشيخ الخفر.. وشيخ البلد .. تجيبهم من تحت الأرض . من غـيرما حد يسمع لك صوت . ثم عاد وجلس بجوار ضيفه وهو يعطيه عـلبتى الدخان.لحظات وكان الفطور قـد أعـد . فاصطحبه عـبد الجبار إلى المضيفة .. حيث كان الفطور ساخنا عـلى صينيه وضعت على منضدة وسط الحجرة .. فجذبها العمدة بالقرب من إحدى الأرائك..وطلب من ضيفه الجلوس عـليها قائلا :
ـ أنا سبقتك .. لولا كده .. كنت نلت شرف الفطارمعاك .. وإن شاء الله.. عـلى ماتنتهى من فطارك .. يكون الشاى التقيل جاهز..وعـلى شان ماتنكسفش من حد ها اقفل عـليك الباب . وبالهنا والشفا إن شاء الله .. عايزك تشطب عـلى الصنيه باللى فيها .. هنيئا مريئا. وعاد إلى مجلسه فى انتظار من بعث فى طلبهم .

ــ 13 ــ

أول من حضر.. عـمه إبراهيم .. فقال فى نفـسه " خير أنه جه الأول " وبمجرد دخوله البلكونة .. نادى عـليه وأجلسه بجانبه .
ـ شوف ياعـم إبراهيم .. جوه مندوب من هيئة الأوقاف .. معاه كشوف بأراضى الأوقاف فى البلد .. منها المتأجر واللى مش متأجر .. ومنها الخلا واللى بتنزرع .. وفيه ناس بتدفع الإيجار وناس مابتدفعـش .. وكل ده كان العمدة المرحوم .. طبعا عارفه كويس قوى .. والأراضى كلها .. إما بوضع اليد .. أو بالإيجار له هو وأفراد عيلته.. وشويه من قرايبه. وأراضى الخلا معـظمها لا متأجرة .. ولاموضوع عـليها يد .
سكت يبتلع ريقه .. رنا إلى عـمه يستطلع وقع كلامه عـليه . فوجد الرجل مذهولا مما يسمع .
أكمل عبد الجبار :
ـ ولما لقيت الموضوع كده قلت أبعت لك أنت وشيخ البلد وشيخ الخفر.. نشوف هانعمل إيه.. وإن كنت أنت شايف أننا نبعدهم عـن الموضوع دى الوقت .. مافيش مانع. ولو إننى شايف إنهم لما يعرفـوا من الأول أفضل..وآهو مافيش مانع نرضيهم برضه .. والأول والآخر هما رجالتنا ولازم هانرضيهم .
سكت عـبد الجبار يلتقط أنفاسه.. وأخذ يتأمل عـمه .. الذى شردت نظراته .. وبعـد لحظات .. قال :
ـ عـملت خير.. إنك بعت لهم برضه .. هما رجالتك.. وأن كنا الوقت ده بنلوم عـلى المرحوم.. انه ماعـرفش حد.. حتى أنت لما كنت شيخ للبلد .. فمن الواجب أننا نعرفهم بحكم عـملهم علـى الأقل .. ثم يعنى أنت برضه العمدة واللى هاتعمله ها يرضى به رجالتك . عـند ذلك كان يصعد عـبده أبو سليمان .. وبصحبته شيخ الخفرالسلالم ..تسبقهم نحنحه شيخ الخفر إعلانا بالوصول . وأنضما إليهما .. ومن باب الحرص ألا يعرف أحد شيئا عـما يجرى .. صرف العمدة الخفروالأنفاربعيدا .. بحجج مختلفة .. ووقف الأربعة فى ركن بعيد من البلكونة يتشاورون . وكم كانت دهشة شيخ الخفر كبيرة .. لدرجة أنه أخذ يضرب كفا بكف وهو يقول لهم :
ـ ياخرابى .. وأنا اللى كنت فاكر إننى عارف كل صغيرة وكبيرة فى البلد دى . فنهره العمدة قائلا وهو يرمقه بحدة :
ـ مش ده وقت الولولة ذى الحريم.. ياشرابة الخرج. فلزم الصمت وأحنى رأسه خاشعا خاضعا .. فقال العمدة :
ـ أنا دى الوقت جامعكم..وبعرفكم كل حاجه..عـلشان نكون راجل واحد فى اللى هانعمله .. وأنا فكرت كويس من ساعة ماعرفت .. واستقر عـزمى عـلى الآتى :
ـ الأراضى اللى عـليها إيجار مندفعش للأ وقاف . ننزعها من مستأجريها . . ولو كانت تحت أيد أولاد المرحوم . ونعيد توزيعها عـلينا . واللى بيندفع إيجارها .. وأنا شايف أنها حته ولا أتنين ..باسم إبن المرحوم .. ما فيش مانع نخليها له .. هما يعنى قد ايه .. دى كلها ستة فدادين . أما الأراضى الخلا .. فسوف يقوم شيخ الخفر.. بحصرها ومراجعتها عـلى الكشف اللى مع الراجل والتأكد من عـدم وضع اليد عـلي أى حتة منها .. واللى واضع أيده عـلى أى حته منها ..بأى شكل .. تلاقيه مش دافع عنها إيجار .. وده ينطرد منها.. ونقوم إحنا بتوزيعها من جديد .
عـند ذلك كان مندوب الأوقاف .. قد خرج عـليهم .. بعد أن أنتهى من إفطاره وشرب الشاى . فما كان من العمدة إلا أن عـرفه عـلى الحضور .. الذين رحبوا به كل بطريقته .. وبعدها قال العمدة :
ـ اتفضلوا ندخل نتكلم جوه .
وقادهم إلى نفس الحجرة التى كان يأكل فيها الضيف. وكانت الصينية قد رفعت بما عـليها من بقايا الطعام . ونادى العمدة عـلى إحدى البنات التى تعمل فى السراية طالبا الشاى .. وأغـلق عـليهم الباب. وأخذوا يتدارسون الأمر مع مندوب الأوقاف الذى فعل معه الإفطارالشهى ..الذى لم يتناول مثله من قبل..فعل السحر. فتجاوب معهم إلى أقصى حد .. وأبدى استعداده التام .. لتسهيل ما يتعـسرمن الأمر لإرضاء العمدة ورجاله .. ملمحا إلى كرم العمدة الزائد .. الذى غـمره منذ وصوله..فقال له العمدة :
ـ وحقك ياسيدى كمان هاتخده .. عـن داير مليم .. بعـد أن يتم كل شىء .
وعـلى ذلك تم الإتفاق بين المجتمعين . وعـلى أن يتم تضخيم الديون المستحقة .. عـلى المستأجرين غـير المسددين .. بحجة الفـوائد والضرائب وخلافه .. حتى يعجزون عـن السداد .. وتنزع منهم الأرض . ويتم تحريرعـقود ايجار جديدة بالأسماء التى سيحددها له العمدة. أما الأراضى التى لم يسبق تأجيرها .. فيتم تحرير عـقود إيجار لها بأسماء يحددها العمدة .. أيضا . وبخصوص الأراضى الخلاء .. فكان أمرها هينا .. حيث انها كلها تقريبا غـير مؤجرة لأحد .. فمن سيستأجر أرض ويدفع عـنها إيجار وهى لا تزرع ؟!
وعـلى ذلك سوف يتم تحرير عـقود لها بنظام حق الحكر ..لمن يراه العمدة . حتى اذا تم الاحتياج اليها يوما ما فى المستقبل كأرض مبأن .. فيمكن بيعها أو التنازل عـن حق الحكر بمقابل . . مناسب لسعر يومها . وحيث إن عـملية التوزيع عـلى رجال العمدة .. سوف تحتاج وقت منه .. اقترح عـلى الرجل أن يستضيفه فى حجرة المضيفة.. يوم أو أتنين .حتى يتم تحديد حصة لكل من رجاله وتحرير العقود اللازمة . وللتغـطية عـلى الموضوع ..سيقولون لمن يسأل عـن الضيف أنه مندوب السجل المدنى .. حضر للإطمئنان عـلى تسجيل المواليد من الأطفال فى القرية .. حتى لايحدث تهرب من التجنيد بعد أن يكبروا . ثم بعد أن يتم كل شىء.. يسافر المندوب .. وبعد أسبوع أو أسبوعين . يعـود من جديد . وساعتها يكون الناس قـد نسوه . لطلب الإيجارات المتأخره .. وطرد المتأخرين .. وتنفيذ ما تم الاتفاق عـليه .
ــ 14 ــ

بعـدما انتهى العمدة .. من موضوع الأراضى .. وكما أراد . ساد القرية جو من التوتر.. والقلق . ولم يخل الأمر من بعـض المناوشات .. والمقاومة .. وخاصة أثناء نزع اليد من الأراضى الزراعية .. والتى كانت بها زراعة لم تكتمل .. والتى أصر المندوب .. بإيحاء من العـمدة . عـلى نزع ملكيتها .. بحجة انه لا يريد الحضور مرة اخرى .. والعمليه تطول . وكل مرة يتلم الناس ويحصل قلق . وسبب للمشاكل .. هو .. كيف سيتم تسليم هذه الأراضى للمستأجر الجديد ؟ . وهنا اقـترح العمدة .. عـلى المستأجر الجديد أن يعـوض القـديم عـن تكاليف الزراعة . وحدثت خلافات ومشاجرات فى تقدير قيمة المزروعات .. إلا أن الأمر فى النهاية تم كما أراد العمدة ورجاله . وخاصة أنه لم ينس أى من خلصائه ..وحاول بقدر الإمكان إرضاء كل العائلات التى تناصره.. لذا وقـف جميعهم معه لإنهاء الأمرعـلى ما أنتهى إليه . إلا أنه ترك أناساً يشعرون بالظلم . وآخرين ثارت ثائرتهم لأخذ الأرض منهم وإعـطائها لآخرين . فهددوا وتوعـدوا . وأظهر أقرباء العمدة السابق استياءً شديدا .. وتزعـمهم أخوه الذى كان مرشحا للعمودية منافسا لعبد الجبار. وقاموا بإرسال بعض الشكاوى إلى الأوقاف . إلا أن المندوب كان قد أعـد عـدته لهذا الموقف جيدا .. ورتب أوراقه جيدا .. بحيث بدا أنه حرص عـلى جباية الإيجارات المتأخرة .. وتنفيذ التعليمات ..وخاصة أن العمدة وأنصاره وقفوا جميعا معه وذهبوا للمسؤولين شارحين وموضحين سلامة موقفهم . مما أدى إلى أن مديرهيئة الأوقاف ..قدم الشكر الجزيل للعمدة ورجال الإدارة عـلى ما بذلوه من جهد لإحقاق الحق..وحرصهم عـلى أموال الأوقاف .
إلا أن عـبد الجبار.. بينه وبين نفسه لم يكن مطمئنا كل الاطمئنان .. إلى ما إنتهت اليه الأمور. حقا انها انتهت لصالحه ..وكما أراد لها أن تنتهى .. وأن الأمر بيده .. وكبار العائلات أنصاره .لكن ماجعل الفأر يلعب فى عـبه . ويقلقه بعـض الشىء .. إدراكه .. وفهمه لطبيعة ابن بلده . فـليس سهلا عـلى أى منهم أن تنزع منه أرضه .. بل الأسهل عـليه أن تنزع منه ابنه أو ابنته ..أو تنزع روحه .. ولا تنزع منه أرضه . وخاصة بعد أن حرثها وبذرها بالتقاوى .. وبدأت تنبت .. ثم تأتى وتنزعها منه. وعـلى ذلك طلب من شيخ الخفر .. التنبيه عـلى رجاله بفتح أعـينهم جيدا خلال الأيام القادمة . ومن جانبه .. نبه عـلى رجاله وعـيونه الخاصة .. بموافاته أولاً بأول بما يدوربين خصومه الجدد . ومحاولة معرفة نواياهم .. وحاول من جانبه التودد اليهم .. ومحاولة التقرب منهم وكسب ودهم . وما كان يدهشه ويزيد من شكه .. أن الأخبار التى تصله عنهم تؤكد عـلى استسلامهم للأمر الواقع واستكانتهم . فـزاد من ترقـبه لردة فعلهم . أما أهل العمدة السابق .. فـلم يكن يحمل لهم هما .. فبعد إرسالهم للشكاوى .. لم يكن أمامهم سوى القبول بالأمر الواقع . وخاصة أنه وأنصاره أشاعـوا فى البلدة .. أن العمدة السابق كان موزع الأرض عـلى أهله . ودون أن يدرى أحد بما فعل .. وأن العمدة الحالى لم يرد إلا إحقاق الحق . وقام بتوزيعها عـلى معظم عائلات البلد .

ــ 15 ــ

بالرغـم من حالة القلق والترقب التى كان عـليها عـبد الجبار .. إلا أنه كان قرير العين بما أصبح تحت يده من ثروة .. أتته بدون أى مجهود . وفى ليلة كانت عـنده .. أخته شهيرة وزوجها . وبعد أن تناولوا العـشاء .. وجلسوا يشربون الشاى . مال عـلى أخته وكانت تجلس بجواره .. وهمس لها :
ـ ايه رأيك يا أختى ..أنا عـايز أرد لكم ميراثكم من الأرض . وكتر خيركم عـلى كده . بس عـايزك تسألى أخواتك .. أكتبها باسم مين؟باسمكم ولا باسم رجالتكم ؟ . قال ذلك وهو يبتسم .
ـ لأ يا خويا .. كل واحدة أولى بحقها .. أكتبها بأسامينا . والله ياخويا أنت عـمرك أطول من عـمرى .. أنا كنت جايه الليلة وناوية أكلمك فى كده . أصل جوزى من كام يوم كده يعـنى لمح لى .. يعنى كده بالمتغطى .
ـ لأ يا أختى . من صباحية ربنا ها آخدكم بربطة المعـلم عـلى الشهر العقارى . وربنا يبارك لكم فيها . ثم إلتفت إلى زوجها قائلا وهو يضحك .
ـ عـن إذنك ..هاخد مراتك منك بكره ..أفسحها لك شويه فى البندر وأرجعها . وإلا أن كنت مش عـايزنى أرجعها لك تانى .. أسيبها هناك وآجى . فضحكوا جميعا.. ورد .
ـ لا ياعـم أنا مقدرشى أستغنى عـن ضوفر من صباع رجلها .
فعلا ضحكهم من جديد .
وبعد انصرافهم .. بقى هو ووفيق ورقية . وبعد قليل من اللحظات التى سادها الصمت . قال:
ـ أنا مش عـارف نعمل إيه فى الأرض .. نطلعها بالزرعة .. ولا نزرعـها ولا تباشرها ياوفيق .. ولا نكرى لها خولى ؟. أيه رأيكم ؟
ـ لاخولى ولا حاجه .. ماتشغلش بالك يابا . إن شاء الله أنا قدها وقدود . وآهو نفسك معانا برضه .
ـ لأ يابنى .. الأرض مسئوليتها مش سهله وكبرت عليك .
ـ هو أنا يعـنى ها أعمل ؟.لاهاأزرع ولا ها أقلع .. أنا ها أشرف عـلى الرجالة .. والحمد لله الرجالة كتيره فى البلد .
ـ طيب خلى لك رجالة .. يعنى أنفار تكون دايما من رجالتنا وبتوعـنا .. عـلشان يكونوا معانا دايما .. وابقى راعـيهم شويه .
ـ ماشى يابا .
ـ وخلى بالك من عـيلة الباز .. كلهم رجاله وخاليين شغل .. وأرضهم عـلى قـدهم . وطول السنه هاتلاقيهم فاضيين .
كل ما كان يشغل بال عـبد الجبار أنه كان يريد أن يجعـل من العمل معه فى الأرض .. مصدر رزق للرجالة التى يضمن ولائها له ..بدلا من أن يذهبوا مع الترحيلة..فى بلاد الله خلق الله .

ــ 16 ــ

لم يطل انتظار العمدة وترقـبه .. فـفى ليلة ربيعية .. وبعد أوقات ممتعة قضاها مع زوجته رقـيه .. وخلدا للنوم. هب من رقاده عـلى صياح .. ودوى طلق نارى . . شق عـنان السماء وخرق الصمت المخيم عـلى القرية . وأصوات الحيوانات فى حظيرته يكاد أن يخرق أذنيه . فهرول خارجا بملابسه الداخلية . وتوافـد خلـفه أفـراد عائـلته .
ـ أقـف مكانك.. ها أضرب فى المليان . هكذا كان يصيح خفيره الخصوصى .
وأصوات أقدام تعدوا تصل إلى أذنيه.. لكنه لايكاد يرى من شدة الظلام حوله.
صرخ العمدة :
ـ فيه أيه ياخفير ؟ .
بعد ما تعـرف الخفير عـلى صوت العمدة .. هرول إليه .. وقد تجمع عـنده .. أفراد عائلته .. وبعضهم كان يحمل لمبات الجاز .. وفوانيس تساعـدهم عـلى تبديد جزء يسير من ظلام الليل .
ـ شوية حراميه .. طلعوا فوق الزريبة .. لما حسيت بيهم زعـقت عـليهم .. وضربت عـليهم طلقة .. جروا كلهم فى الضلمة .
عـند ذلك كان قـد وصل إلى المكان .. بعـض الخفر.. ثم شيخ الخفر.. وبعـض أبناء عـمومته .. كل حسب قرب داره . ثم شيخ البلد وعـمه إبراهيم .
وبمرور الوقت .. تجمع حشد كبير من أقاربه وأنصاره .. والتفـوا حوله .. معبرين عـن دهشتهم وانزعاجهم .. مستفسرين عـما حدث ، وعـندما تبين لهم حقـيقة ما حدث . سرت بينهم موجة من الغـضب .. وطالبوا بضرورة الثأرمن الفاعـل .. أيّاً كان . ومنهم من طالب بضرورة التعرف عـلى الفاعـل أولاً .. وكان هناك استنكار تام لما حدث .. فكيف يصل الأمر إلى محاولة سرقة دوار العمدة ؟!. وسرت بينهم أقاويل .. تتهم أشخاصا بعينهم .. وأخرى تتهم عائلة معينة . عـند ذلك .. انسحب العمدة .. الذى ظل صامتاً .. صاعـداً إلى البلكونة . فتبعه عـمه إبراهيم وشيخ الخفر وشيخ البلد وكبار الرجال الموجودين من أنصاره . وظل مكانهم باقى الموجودين .
جلس العمدة بينهم صامتا.. بعض الوقـت . أدرك بعدها أنه بملابسه الداخلية . فـدخل وارتدى جلبابه وعاد اليهم .. ليخيم صمت الذهول عـليهم من جديد .
بعد لحظات وجه كلامه لشيخ الخفر :
ـ الصبح .. مع طلعة الشمس . عايز أعـرف مين دول اللى جاتلهم الجرأه عـلى كده ؟ ومين اللى وراهم إن كان حد وراهم ؟ .
قال ذلك فى لهجة قاطعة .
ـ أوامرك يا حضرة العمدة. وقام منصرفا. وتبعه من كان موجودا من خفـره .
فوجدها عـبده أبو سليمان فرصة :
ـ اللى حصل ده .. أول مرة يحصل فى البلد .
رفع العمدة يده مطالبا الكل بالصمت . ففهم الحضور أن الرجل يريد أن يختلى بنفسه . بدأوا فى الإستئذان منصرفين واحدا بعد الآخر. بعـضهم إنضم للواقفين بالشارع .. والبعض إنصرف إلى بيته .
عـندما انتبه العمدة .. لوجوده وحده . نظر حوله .. فوجد ابنه وفيق يجلس بالطرف الآخر من البلكونة .. وحده أيضا . ناداه .
ـ أيه .. قاعـد لوحدك ليه يا ابنى ؟.
ـ بفكر فى اللى حصل .
ـ ووصلت لإيه .
ـ أكيد طبعا .. اللى عـملها .. من اللى كانوا مأجرين أراضى الأوقاف واتخدت منهم .. ولازم أعـرفهم واحد واحد .. وكمأن لازم يتربوا ..ويعرفـوا أن عـمدة البلد وسيدها ما يتعملش فيه كـده أبـدا .
ـ إيه ده .. إيه ده .
ـ أنا ماعـدتش صغير يابا .. واللى حصل ده إهانة لنا كلنا .
هز عـبد الجبار رأسه .. ولاذ بالصمت . فانصرف وفيق خارجا .. وأنضم للوقوف جوار السراية .. وسرعأن ما أحاط به أفـراد شلته من الشباب .
رجع عـبد الجبار برأسه إلى الخلف .. مسندا إياها إلى الحائط .
" أيه ده يا عـبد الجبار .. يا عـمدة البلد وكبيرها ، وصل الأمر إن فـيه حد فى البلد بيفكر .. لأ مش بيفكر ، ده فكر وخلاص . وبيحاول يسرقـك ؟ !. ولا ياترى كان عايز حاجه غـير السرقه ؟ طب كان عايز إيه ؟ . ياترى كانوا عايزين إيه ؟ يسرقوا البهايم ؟ ولا الحصان ؟ ولا كانوا عايزين يدخلوا السراية ويموتونى وأنا نايم ؟ كانوا عايزين إيه بالظبط ياعـبد الجبار ؟ عايز أعـرف ضرورى ..كانوا عايزين إيه ؟ ووصل تفكيرهم لأيه ؟ بصرف النظر عـن الفعـل والفاعـل . عـلشان أعـرف أقدر رد فعـلى يكون شكله أيه ؟ إذا كانت النيه سرقـة ؟ يبقـوا لازم يتعلموا الأدب كويس عـلى قـول وفيق أبنى . وإن كانت النية قتـلى؟ أو أي حد من العـيلة؟ يبقى الموضوع فيه كلام تانى خالص".
عـند ذلك نهض العمدة من مجلسه .. أقترب من سور البلكونة .. أسرع إليه بعـض من رجاله . أشار إليهم .. فصعدوا إليه .
ـ هيه .. كل ده يحصل ومافـيش عـندكم خبر..إزاى؟. أنا عايزأعـرف مين اللى عـمل كده واحد واحد ؟ وكان عايز إيه بالظبط ؟ قبل ماشيخ الخفـر يبلغنى تكونوا أنتم اللى مبلغينى . وبعدها هايكون لى كلام تانى معاكم . ونظرإليهم متوعدا.. وأشار بيده للانصراف . فأسرعـوا من أمامه وعاد إلى مجلسه .
" أيه ياعـبد الجبار .. يا ترى الأيام الجايه مخبيه لك أيه ؟. أنا ماكنتش ميال لأى شر.. لكن باين أنهم هما اللى هايجرونى له . راودته نفـسه أن يلتمس لهم العذر.. ما هو أنت برضه اللى خليتهم يعملوا كده . يعنى لو كنت سبت لهم الأرض لبعـد جنى المحصول كان حصل أيه يعنى ؟ . يعنى لو كنت أنت مكان أى واحد منهم مش كنت عـملت كده وأكتر من كده كمان؟!.عـند ذلك وجد نفسه يميل إلى الهدوء . تصاعـد من داخله صوت عال يصرخ به :
ـ لأ .. أنت العمدة .. ولازم يكون لك هيبتك مهما كان ومهما عـملت . النهارده بيسرقوا دارك .. وبكرة هايعملوا إيه ؟!. مال إلى ذلك وأمن عـليه .. حتى أنه وجد نفـسه يقـول بصوت عال :
ـ أيـــوه .. أنا العمدة .. ولازم تكون هـيبة العمدة فـوق كل اعـتبار.
وصرخ من داخله صوت :
ـ الهيبه بتيجى من العـدل ياعـمده .. مش من القـوة .
ـ لأ .. لأ .. القوة هى اللى بتولـد الهيبة .. سواء فيه عـدل ولا مافيش عـدل ."
سخنت رأسه .. هزها لعله يزيح عنها مابها من أفكار . قام من مجلسه .. تحرك .. لعل الحركة توقف مايدور فى رأسه . وصل إلى نهاية السور من ناحية الحظيرة .. إنصرف من كانوا مجتمعين ما عـدا الخفر. نظر إلى السماء .. بشائر ميلاد نهار يوم جديد .. تولد فى الأفق . ترى ماذا يحمل معه ذلك الصباح الجديد ؟!.
ــ 17 ــ

وقف وفيق مع أفراد شلته بعـض الوقت بجانب السراية .. ثم اتجهوا إلى دار أحدهم حيث اعـتادوا كل ليلة السهر فيها . واكتمل عـقدهم بالرغـم من أنهم فى وقـت غـير المعتاد . ساد الصمت بينهم لحظات .. تكلم بعدها وفيق قائلا:
ـ العمليه دى مش سهله عـلى العمدة ياجماعه .. ولا عـلىّ أنا كمان . .. واللى أنا باطلبه منكم الوقت ده .. معرفة اللى عـملوا العمليه المنيله دى .. وبأسرع من رجالة العمدة .. إيه قولكم ؟! .
كان بينه وبين نفسه يريد أن يثبت لأبيه أنه إبن عـبد الجبار بحق وحقيق .. وانه امتداد له وأهلا للعمودية من بعده . بعـد العـمر الطويل له . فهو لم ينس أن له زوجة أب وتحلم بأن يكون أحد أبنائها هو الوريث فى العمودية لأبيه . كما أنه فى نفسه .. وجدها فرصة لأن يجعـل أبيه يغـير فكرته عـنه . وأنه لم يعد ذلك اللاهى الباحث عـن المتعة والملذات .. وبعيد كل البعد عـن أن يكون رجلا يعـتمد عـليه فى الملمات والشدائد . وعـلى ذلك كان كله رغـبة أن يثبت لنفسه أولا ولوالده ثانيا ولكل رجال البلد ثالثا .. أنه قـوة لايستهان بها .. ويجب أن يعـمل لها ألف حساب وحساب .. فى تسيير أمور القرية .. وانه ابن عـمده بحق .. وليس منظره أو ولد خيخه .
كل ذلك كان يدور فى رأسه .. بعد أن أنهى الجلسة مع رجاله . فخرج يطوف القرية فى الظلام هو ومن معه قائلا بالفم المليان لكل الناس :
ـ أنا هــنــا .
ثم اتجه إلى السراية منفردا .. منتظرا من أنصاره ما أتفق عـليه .

ــ 18 ــ

ما أن أشرقت شمس اليوم التإلى .. واضعة نهاية لتلك الليلة .. حتى كان ماحدث فيها حديث أهل القـرية .. فى الشوارع وهم جالسون عـلى المصاطب .. فى الحقول أثناء العمل .. فى المنازل والمقاهى .
فالذى حدث أمر لم يسبق أن سمع به أحد .. وكان محور الحديث فى كل مكان ..يدور حول تكهنات لشخصيات الفعـله .
من هم ياترى الذين وصلت بهم الجرأة إلى هذا الحد؟ بغـض النظر عـن الأسباب والدوافـع . فالدوافـع موجودة لـدى كل فـرد ضد كل فـرد قد يحدث بينه وبينه مشكلة ما . أما أن يتجاسر فـرد.. أو مجموعة أفراد ..من القرية ويقـدمون عـلى محاولة سرقة .. أو اعـتداء عـلى بيت عـمدة القرية .. فـهذا أمر خارج عـن المعقول .. وفوق كل احتمال .. وأبعـد مايكون عـن التصور.وكان الشيخ إبراهيم أكثر أهل القرية ذهولا وغـضبا فى الوقت نفسه . ولولا أنه معروف بقدرته الفائقة عـلى ضبط النفس وحسن التدبر .. لصدر منه من الأقوال والأفعال ما يتجاوز كل حد للعقل والمنطق . فلم يتصور فى يوم من الأيام ..أن يصل الأمرفى القرية إلى ماوصل إليه .. ويقع فيها ما وقع . وعـلى ذلك كان بداخله إصرار شديد.. عـلى أن يكون هناك عـقاب عـنيف لمن فعلوا هذه الفعلة .. ليكون بمثابة رادعا لمن تسول له نفسه فـعل ذلك مرة أخرى . وإلا ستكون العـمليه سيبه.. وكل واحد من كبار رجال البلدة عـرضة لأن يحدث له مثل ماحـدث وأكثر . حقا كان لديه اليقين بأن موضوع توزيع أرض الأوقاف وراء هذه الواقعة .. إلا أنه كان يقول فى نفسه أيضا .. وأيه يعنى . ده عـمدة البلد .. وكبيرها ياناس . ومهما عـمل لازم يكون فيه إحترام .. وهيبة له كعمدة . وإلا ضاع فى البلد الكبير أمام الصغير وبقت هيصه . عـلى حد قوله لأولاده الذين زرع لديهم الحماس والرغـبة فى الأخد بالثأر لما حدث .. وأن يكونوا وإبن عـمهم يدا واحدة عـلى من فعلها . أما شيخ الخفراء فكان يرى من جانبه.. أن ماحدث ماهو إلا تحد واضح وصريح لشخصه ولرجاله . وأنه قـد لحـقت به إهانة شخصية لا تغتفـر.. وسيظل ما حدث قـلما عـلى قـفاه يحس به ساخنا حتى يموت . حسب تعبيره لخفره وهويؤنبهم ويوبخهم .. لعجزهم عـن منع وقـوع الحادث من البداية . وأن عـليه أن يثبت لنفـسه أولا وللعمدة ثانيا.. أنه كمسؤل عـن الأمن فى البلد ..مازال قادراعـلى ردع من تسول له نفسه ..الخروج عـليه . ولابد وبأسرع ما يمكن .. الوصول إلى الجناة والقـبض عـليهم .
وأما عـبده أبو سليمان .. فـقد إعـتبر أن ماحدث ماهو إلا نتيجة طبيعـيه لعجز شيخ الخفرورجاله ..عـن حفـظ الأمن . وعجزه عـن الإلمام بكل مايدور ويحدث فى البلد . فكيف يتم التدبير والتجمع للتنفـيذ بعيدا عـن عـيون المسؤولين عـن الأمن ؟ وخاصة وهو دائم الإدعاء أنه يعرف دبة النملة . وبعدين يطلع لاعارف دبة النملة ولا حتى دبة الفيل . مما جعل شيخ الخفـر يعتب عـليه ويشكوه للشيخ إبراهيم الذى نهرهما معا قائلا:
ـ ليس هذا الوقـت ..وقـت مثل هذه التصرفات . انما الوقـت ده وقـت أن نكون كلنا رجل واحد ويد واحده .. والا اللى عـملوا كده يضحكوا عـلينا .. ويضحكوا البلد عـلينا . ويقـولو لهم شوفـوا الرجاله اللى بتحكم البلد.. وهمابيتخانقو مع بعـض . فـوافـقه الإ ثنأن عـلى قوله.. وإنصرفا كلا فى اتجاه . إلا أن شيخ الخفـر أسرها فى نفسه له .
شيخ الجامع رأى فى الأمر شيئا مختلفا عـن الآخرين.. فبعـد صلاة الفجر .. صباح الحادث .. طلب من المصلين البقاء قليلا .. وخطب فيهم قائلا :
ـ إن ماحدث يدل عـلى أن الساعة اقتربت وأن ذلك من علاماتها .. وأنه خروج عـلى أولى الأمر. وأن من فعلوا ذلك إنما يعيثون فى الأرض فـساداً.. وعـلى ذلك يجب نفيهم من البلد.. ليعود الأمن والأمأن إلى ربوعـها . وانهم فـئة مارقة. ولابد من أن تقـف القرية كلها مع عـمدتها.. للتعبيرعـن استنكارها لما حدث . وخـتم قـوله الآية :
(وأطيعـوا الله وأطيعـوا الرسول وأولى الأمر منكم)
وانصرف المصلون .. منهم من دخل دماغه كلام الشيخ.. ومنهم من سخر منه فى نفسه..متهما إياه بأنه ديل العمدة . وفقيهه الخصوصى .. ومنهم من لاذ بالصمت .
أما من كان يضمر العـداء للعمدة..فـقد أخفى فـرحه.. بما حدث فى نفسه . وأغـلق عـليه داره . ومعارضوه رأوا الوقوف عـلى الحياد .. فلا يبدون فرحا.. لأن ماحدث أمر غـير مقبول . وأن كانوا يرونه رسالة واضحة للعمدة ليراجع نفـسه ويصحح أخطائه التى أوصلت الأمور إلى هذا الحد .
وهكذا جرت الأمور فى القرية .. حتى إذا اعـتلت الشمس كبد السماء .. وإقترب وقت الظهيرة . شهدت المنطقة القريبة من السراية .. مشهداً فريدا . إذ اقترب شيخ الخفـر فى عـدته الكاملة ..وجميع خفره . يقـودون خمسة من الشبان مكتوفى الأيـدى من خـلف أظهرهم .. ومربوطين بحبل واحـد .. طويل . يمسك آخره أحدالخفر.. وأوله شيخ الخفراء بنفـسه . وهو يقود الركب .. شامخا برأسه متهلل الأسارير. وقد إلتف حولهم الناس فى جمع حاشد .

ــ 19 ــ

عـندما إقتحم شيخ الخفر عـلى العمدة مجلسه فى البلكونة .. معلنا أنه تم القبض عـلى الجناة . مستأذنا فى إحضارهم إليه . انتابته مشاعـر متناقضة . إلا أنه أبعدها عـن رأسه مؤقتا .. حتى يعـرف من هم الجناة فعلا . وعـندما حضروا أمامه .. وكان معه عـمه وعـبده أبو سليمان وبعض الرجال وإمام المسجد . تطلع العمدة إليهم يتأملهم واحدا واحدا. دهش لما يراه . فالمقبوض عـليهم عـمال يومية .. أجراء .. يعملون ليطعموا أنفسهم . حقا يبدوا عـليهم الفقـر والحاجة .. لكن ليس إلى درجة محاولة سرقة دوار العمدة .
" دية الواحد منهم كده يسرق له شوال أرز أو شوية دقيق .. ده أن سرق . ويتدارى عـن العين .. أما أن يفكر ويتبجح ويحاول يسرق دوار العمدة .. فـدى كبيره قوى . أيه التمثيليه اللى أنت عاملها دى ياشيخ الخفـر. عايز تبين لى إنك صاحى وبسرعـه قبضت عـلى الجناة .. ولا أنت عـايز تضرب المربوط عـلشان يخاف السايب ؟. ولا إنت عـملت كده لتعـطى الجناة الأمان.. حتى تقبض عـليهم ؟. "
رنا العمدة اليه .. محاولا إستجلاء ما يضمره . لكن الرجل كان يقـف متباهيا .. منفوخا .. كما لو كان قد قبض عـلى الجناة فعلا. فحنق عـليه جدا. ولاذ بالصمت . نظر إلى عـمه إبراهيم .. ثم إلى عـبده أبو سليمان . فـلم يجد ما يدل عـلى اقـتناع أى منهما بما يجرى أمامهم . إلا أن إمام المسجد..هب واقفا كأنما يريد أن يلقى خطبة عـصماء .
ـ أن الله ينصر من ينصره .. وها هو شيخ الخفـر يعـلنها أمامكم ياعـمدة البلد وكبيرها .. وهاهم اللصوص أمامكم مكبلون فى الأغلال .. ولابد أن يوقع عـليهم الجزاء الرادع لأمثالهم . نظر اليه العمدة نظرة ناريه .. فخـف حماسه بعض الشىء .. وارتبك .. ولم يعرف كيف يكمل خطبته .. فغـمغم ببعض الكلمات وجلس .
نظر شيخ البلد إلى شيخ الخفـر وابتسم ساخرا .
ـ آهو ده الشغل اللى بصحيح .
ثم نظرإلى العمدة يستحثه عـلى إنهاء هذه المهزلة . فكر عـبد الجبار قـليلا .. ثم نظر إلى عـمه إبراهيم ..الذى إرتسمت عـلى وجهه إبتسامة ساخرة ..لم يعـرف كيف يداريها .. رغـم حرصه عـلى ذلك .
ـ طيب ياشيخ الخفـر .. دخلهم الحجز دى الوقت .. عـلى ما نشوف هانعمل معاهم ايه . وغـمز له بعينه .. بما يعنى انهى الموقف . فانسحب من أمامه..وكأنما ألقى عـليه سطل من الماء البارد.ومحاولاً الإبقاء عـلى بقايا كبريائه .. صرخ فى الخفـر .
ـ يا الله .. ياواد أنت وهـو.. دخـلوهـم الحجـز.
ثم ألتفت إلى الجمع الحاشد حول البلكونة وزعـق فيهم .
ـ يالله ياخويا أنت وهو .. كل واحد يروح لحاله .
فانصرف كل منهم إلى حاله .. وأن بدى عـلى أغـلبهم .. عـدم تصديق ماهو ماثل أمامهم .
أما وفيق فقد كان يجلس فى الطرف الآخر من البلكونة .. وكان الأمر لا يعنيه . وبعد أن دخل الرجال الحجز..وإنصرف الحشد من حول السراية .. جاء واحد من رفاقه .. وجلس بجانبه .. وتحدثا معا بعض الوقت .. ثم انصرف .. وترك وفيق وقد أعـترته الدهشة . وأن ظل جالسا . ورنا بناظريه إلى والده .. وعـندما وجد الجمع اقتصرعـليه وعـمه وشيخ البلد .. ذهب اليهم .. حيث بادره أبوه :
ـ هيه يا وفيق .. أخبارك ايه ؟ .
ـ اللى عـمل العمليه دى .. خمسة رجاله .. إتنين من عـيلة ابو العز.. وتلاته من عـيلة الشوربجى .. وكان الغرض سرقة الحصان . بادر شيخ البلد .. معـلقا .
ـ آهو ده الكلام اللى يدخل الدماغ بصحيح .مش تمثيلية شيخ الخفـر.
ـ متأكد من كلامك ياوفيق يابنى . هـذا ما قاله الشيخ إبراهيم .
ـ ده اللى عـندى .. وكل واحد منكم هايعـرف بطريقته .. وأن شاء الله كلامى هو اللى هايطلع صح .
ـ وعـرفتهم بالإسم ؟
ـ أيوه يابا .. ومنتـظرمنك الإذن .
ـ إذا كان الموضوع كـده يبقى كفايه عـليهم إنهم يتعلمو الأدب .
ـ نوديهم المركز يتبهدلو لهم يومين هناك .
ـ مركز أيه ياشيخ البلد .. وهانقول أيه لظابط المباحث .. وهو فاهم عـنى من أيام ماكنت شيخ بلد .. إنى مالى هدومى .
ـ سيبلى العمليه دى يا با .
نظر إلى إبنه .. وقد كبر فى عـينيه .. تصور لحظتها إنه لم يعد ذلك الشاب اللاه .. وبدا له رجلا يملأ هدومه بصحيح .. وقـد برم شاربه .. اللى يقف عـليه الصقر.
ـ هـاتعـمل أيـه ؟.
ـ سيب لى الموضوع ده .. وهايتم بعـيد عـننا كمان . عـلشان مايتقالش أن العـمده له علاقـة به . وأن شاء الله تسمع كل اللى يرضيك .
ـ يابنى مش عايز العملية تتجاوز حدود أنا راسمها فى دماغى. يعـنى ماتزيدش عـن قرصة ودن.. بس جامده شويه .
ـ أنـا فـاهم إنت عـايز أيه بالظبط .
ـ طب إستنى كام يوم لما نتأكد إنهم فعلا اللى عاملينها .
ـ ماشى .. قدامك يومين .. كفايه ؟.
قال ذلك وتركهم منصرفا .


ــ 20 ــ

بعـد موكب شيخ الخفـر بيومين ..استيقـظ أهل البلدة..عـلى صراخ النساء فى دارين.. واحدة منهما فى عائلة أبو العـز ..والأخرى من ديار عائله الشوربجى .. فهرع إليهم أهالى البلدة . وكم كانت المصيبة واضحة للعيان . فقد كان الصراخ من داخل حظائر الماشية فى كل دار.. وقـد تمدد عـلى أرضية كل منهما .. إثنان من قطع الماشية فى كل حظيرة .. وتبقى واحدة واقـفة . وقـد أخـذ الرجال من أهل الدارين جانبا .. وقد إنهمرت الدموع من أعـينهم ساخنة .. كأن ولدا من أولاد كل منهما قد مات . وتجمع حول كل من الدارين.. حشد من الأقرباء والأصدقاء والجيران . وهرع عـلى إثر ذلك كل من شيخ البلد والخفـر .. وزاروا معا فى البداية.. دار ابن أبو العـز.. الذى كان واقفا عـلى مدخل الحظيرة.. يسند ظهره إلى الحائط .. وزوجته جالسة عـلى أرض الحظيرة.. تبكى وتولول وتضرب رأسها بيديها قائلة :
ـ ياخراب بيتك يا فاطمه .
وتارة أخرى تصرخ .. وتدعـوبقـلب مكلوم عـلى من فـعلها بهم :
ـ ربنا يحرق كبدك ياللى عـملتها .. ذى ما أتحرق كبدى .
وقد تجمع حولها حشد من النساء .. يحاولن التخفيف عـنها . وعـندما رأت الوافدين علا صراخها أكثر .. وأخذت تردد :
ـ منكم لله .. منكم لله .. ربنا ينتقم منكم .
فنهرها زوجها قائلا :
ـ ياوليه ياهبله .. إنت جرالك إيه .. هما مالهم دول .
ـ مراتك قصدها إيه .. تكونش بتتهمنا أن إحنا للى عـملناها ؟.
ـ ياشيخ البلد .. الولية إتهبلت .. أنت هاتاخد لها عـلى كلام برضه ؟.
ـ عـموما ربنا يصبركم عـلى مابلاكم.ودخلا الحظيرة.. وكم كان المنظر مؤثرا فيهما . وخاصة أنهما يدركان تمام الإدراك قيمة الماشية وأهميتها عـند الفلاح . فوقفا يتأملان الجاموستان ..وملامح التأثر بادية بصدق عـلى كل منهما .. وكل من احتشد حولهم .
تذكر شيخ البلد ماقاله وفيق إبن العـمدة ووعـده لأبيه بتأديب من تجرأ وحاول سرقه الحصان . فتسائل بينه وبين نفسه .
ـ ياترى ياوفيق .. إنت اللى عاملها ؟. آه من جمدية قـلبك يادى الواد . وياخوفى عـليكى يابلد .. منه ومن اللى حواليه .
فلم يكن يخفى عـليه ماكان يفعـله وأصحابه من شباب البلده . فإزداد حزن الرجل وأساه عـلى ماحدث . أما شيخ الخفر فقد وقف يتأمل البهائم الممددة أمامه .. وهو يجهل جهلا تاما الفاعـل الحقيقى . ويحدث نفسه :
ـ أيه المصايب اللى قاعـده تنزل عـلى دماغى ..هو أنا هلاقيها منين ولا منين . وبعـدين حكاية سم البهايم دى جديده عـلى البلد خالص ..هيه الناس لاقيه تاكل لما هاتسمم بهايم بعـضيها ؟.
ولم يتمالك رجل من الواقفين نفسه .. فقال فى حدة لشيخ الخفر :
ـ يرضيك اللى إنت شايفه ده .. ياشيخ الخفر ؟.
ـ لأ .. مايرضنيش .. ولا يرضى مؤمن أبدا .
ـ طيب وها تعـمل أيه إن شاء الله ؟!.
ـ لازم نعـرف طبعا مين الفاعـل ونقدمه للعـدالة .. لازم القانون ياخد مجراه .
ـ القانون ياخد مجراه ؟!.. ومجراه ده هايعـوض الراجل عـن بهايمه إزاى ؟!.
ـ الله ..ده دى ..ده دى..وأنا ياعـنى اللى هاعـوضه ؟.
ـ لأ .. لا سمح الله . أنا ماقـلتش كده .. بس إنت كنت فين إنت ورجالتك لما اللى عـملها .. دخل وحط السم فى الأكل للبهايم فى الدارين وفى ليلة واحدة ؟؟. عـلى فكره ماتحاولش تفهمنى أن ده مش حادث مقصود .
ـ قـصدك أيـه يـاواد ؟.
ـ قصدى واضح .. دى بفعل فاعـل . ياشيخ الخفـر . وبغرض الإنتقام كمان .. مش كده ولا أيه ياشيخ البلد ؟.
ـ والله إنت باين عـليك بقيت تعـرف عـن شيخ البلد وشيخ الخفر.. كمان . أنا نفسى مش عارف إنت قصدك أيه؟. وإذا كنت بتتهم حد .. ولا فى دماغـك حاجه خليك راجل وقولها عـلى المكشوف.قاعـد تلف وتدور عـلى أيه؟. هى البلد فيها حاجه بتستخبه ؟.
ـ آهو أنت جبت الخلاصة .. البلد مافيهاش حاجه بتستخبه . وبكره هانقعـد جنب الحيطه ونسمع الزيطه .
عـند ذلك رفع شيخ الخفـر عـصاه الخيرزان التى لا تفارقه .. قاصدا ضرب الرجل .. الذى تحرك من مكانه مسرعا .. وهويقول :
ـ آهو ده اللى إنت شاطر فيه .
عـند ذلك غادرا المكان إلى الدارالأخرى .. وحدث هناك شىء من اللغـط .. والهمز واللمز .. الذى أدرك شيخ البلد مقصده تماما . فى الوقت الذى جهل شيخ الخفر كل شىء عـنه .. تمام الجهل .

ــ 21 ــ

بعـد عـصر ذلك اليوم .. اجتمع فى بلكونة العـمدة.. كل من العـمدة وشيخ الخفر.. وإمام القرية .. وكبار رجال البلد ة . يتشاورون فيما يجب عـمله إزاء تلك الحادثة التى وقعـت فى البلدة لأول مرة . فلم يصل الأمر .. مهما كانت العـداوة بين العائلات أو الأفراد .. إلى هذه الدرجة .. ولأن الحادث كان جديدا فى نوعـه..وخطيراً فى نفس الوقت . أخذ كل من الحاضرين كل يدلوا بدلوه .. دون أن يصلوا إلى شىء . ذلك لأن الفاعـل مجهول .. ثم إن دوافع الفعـل أيضا مجهولة . من وجهه نظرالحاضرين .
فاقترح أحد الحاضرين عـلى العـمدة ..أن يرسل فى إحضار المصابين.. وخاصة أنهما لم يتقدما ببلاغات.. ولم يعـلنا اتهامهما لأحد بشكل مباشر. وأن سرت من حولهم أقاويل .. تطال العـمدة وأهله فى مجملها . فرحب العـمدة بذلك الإقتراح . وأرسل خفيرا لإحضارهما . فأتيا معه بعـد تمنع .. وصحب كل منهم..بعـضا من أقاربه وجيرانه .. فإمتلأت البلكونة . بالإضافة إلى من وقـف عـلى السلالم وأمام السراية .ووقف الرجلان وكل منهما مطأطىء الرأس محنى الهامة ..كإنما يحمل كل منهما عـلى كاهليه جبال الدنيا .. وعـلامات الأسى والحزن .. تصبغان وجهيهما.. لدرجة تثير الشفقة .
ـ هيه.. يارجاله .. مالكم ماتـقـد متوش ببلاغ ؟.
فرد ابن أبو العـز .. وهو يرفع وجهه فى وجه العـمدة عـلى إستحياء .
ـ بلاغ أيه ياحضرة العـمدة .. هو إنت مش عـرفـت خلاص ؟.
ـ إيوه عـرفت.. بس لازم تتقدموا ببلاغ.. وتقولوا فـيه إن كنتم بتتهموا حد ولا لأ..عـلشان تاخد الأمورمجراها القانونى .
ـ إحنا مش مقدمين بلاغات .. ومش هانتهم حد . ربنا هو المطلع .. وهو المنتقـم الجبار .
عـند ذلك هـب إمام القـرية وقـال:
ـ آهو ده الإيمان اللى بصحيح .
ـ ونعـم بالله .. يعـنى إنتم مابتتهموش حد .
ـ لا .. يا حضرة العـمدة . فنظر العـمدة فى وجوه الجالسين .. قائلا :
ـ إيه رأيكم ياجماعـه .. آهو الكلام قدامكم أهوه .. إنتم شايفين أيه .. الرجاله ومش مقدمه بلاغـات .. ولا حتى بيتهموا حد أعـمل أنا أيه ؟.
ـ يقول الله فى كتابه الحكيم " وتعاونوا عـلى البر والتقوى ".
ـ قـصدك أيـه يامـولانـا .
ـ نجمع لهم حـق البهايم اللى ماتت .. وآهو كل واحد عـلى حسب مقدرته .
ـ وأنا ماعـند....... قاطعه الرجلان قبل أن يكمل عـبارته .. وفى صوت واحد .
ـ إحنا مش عـايزين صدقـة من حد . فرد العمدة :
ـ دى مش صدقه.. دى زى عـملية المزاملة فى الأرض..إنت بتعاونى النهارده.. وأنا باعاونك بكره.. ولا أيه يارجاله .
عــلا صوت بعض الجالسين :
ـ إيوه ياعـمده .. كلامك مظبوط .
ـ وإحنا متشكرين ياجماعه .. كترخيركم عـلى كده . إحنا رجاله .. وقادرين بعـون الله نصلب طولنا من تانى .
أمن عـلى قولهم بعـض الجالسين .. وأبدى البعـض الآخر تعجبهم من موقفهم .. إلا أن السواد الأعـظم أبدى إعجابه بما قالوه .
ـ والله كده .. إحنا اللى عـلينا عـملناه .. وأنتم أحرار.. وكل واحد عـقله فى راسه .. يعـرف خلاصه .
ـ عايزنا فى حاجه تانيه ياعـمدة .
ـ لا .. اتـفـضلـوا .
فانصرف الرجلان وتبعهما الحشد الذى حضر معهم.
ساد الصمت لحظات.. بين الجالسين . وإن كان القـلق يهيمن عـلىالعـمدة وعـمه وشيخ البلد . فالعـمدة .. فهم من موقف الرجلين أن لديهم إصرارا عـلى الثأر لما حدث لهم . وهو متيقن بينه وبين نفسه .. أنهم يعـرفون تمام المعرفة .. أنه هو الذى يقف وراء ما حدث . لكنه قال فى نفسه " هىء .. أوسع مافى خيلهم يركبوه .. ده أن كان عـندهم خيل. والجدع فيهم يقرب ناحية أى حاجه تخصنى.. وبينى وبينهم الأيام ."
أما الشيخ إبراهيم .. فقد أيقن أن الرجلين لديهم النية فى الإنتقام .. فسخر منهما فى نفسه " طيب ورونى كده هاتعملوا أيه .. جاتكم الخيبة .. كنا لمينا لكم قرشين .. أفيد لكم من العنطظه الكدابه دى ". أما شيخ البلد فـكان له رأيا مخالف تماما لما ذهب اليه العـمدة وعـمه . فإنه يتصور أن وصول الأمور إلى هذا الحد . يجعـلها غـير قابلة للسيطرة.. فمن السهل عـلى أى حد دس السم للبهايم فى غـفله من أى حد .. وليس للبهايم بس .. والبنى آدمين كمان". وكان يتمنى أن يقبلا حلا وسطا ولو حتى مال العـمدة عـلى نفسه شويه . وبعـد لحظات .. بدأ الجالسون فى الانصراف كل إلى داره .
وعـندما هم العـمدة للدخول..لمح وفيق جالسا فى الركن البعـيد كعادته..فناداه وتأبطه..داخلين معا..وهمس له:
ـ القرصه كانت شديده شويه .. ياوفيق .

ــ 22 ــ
مغرب ذلك اليوم .. أمر العـمدة بالإفراج عـن المحجوزين الخمسة .. فـلم يعـد هناك .. من وجهه نظره .. مايبرر حجزهم .
هذا من ناحية .. ومن ناحية أخرى .. طالما بدر من العائلتين ..الأقاويل التى تدل عـلى إتهامهم لدار العـمدة .. فـمعنى ذلك أنهم بينهم وبين أنفـسهم .. يقـرون ويعـترفون أنهم فعلا من قاموا بمحاولة سرقة دوار العـمدة . وحتى لايبدو فى موقف ضعـيف .. أراد أن يكون اللعب عـلى المكشوف . واستدعى شيخ الخفر .. وشيخ البلد .. وأمرهم بالتنبيه عـلى الناس فى الجوامع .. وفى كل مكان .. وإرسال منادى.. ينادى فى القرية..أنه عـلى كل بيت وضع فانوس أمامه ليلا .. حتى يمكن تتبع اللصوص والمجرمين بسهولة .. وإذا تعـذرأمام كل دار.. فلا مانع من إشتراك كل دارين فى واحد .. يعلق بين الدارين . كما نبه عـلى شيخ الخفر بضرورة اليقظة التامة من رجاله .. وشدد عـلى ضرورة تشديد الحراسة عـلى السراية .. وبيوت أقربائه وممتلكاتهم . خشية الأنتقام من العائلتين .. أو غـيرهم ممن قد يفكر فى التحالف معـهم . ونبه كذلك عـلى أبنه .. بضرورة الحذر وألا يسير ليلا أو نهارا.. إلا بصحبة رجاله وأحد الخفـر . أما هو نفـسه فـقليل الحركة .. وإن تحرك فسيحرص عـلى أن يحيط به جمع من أهله ورجاله وأنصاره .
وعـلى ذلك بدت القرية.. فى حالة توتر وقـلق واستنفار تام . بل أن بعـض البيوت.. كان أهلها يتناوبون فيما بينهم السهر .. مترقبين متحفزين لأى عدوان . وبدأت تحدث لقاءات بين العائلات المناوئة للعمدة فى سرية تامه.. ولا تتجاوز الفردين أو الثلاثة .. حتى لا تثير انتباه رجاله . وإن حرصوا جميعا عـلى تهدئه الأمور .. حتى يطمئن العـمدة ورجاله.. إنهم قـد سلموا جميعا أمرهم إلى الله .. وبعـدها تكون لهم ضربتهم الإنتقامية. أما العـمدة من ناحيته.. فـقد حرص عـلى ألا يصعد الأمور فى الوقت الحالى .. ونبه عـلى أبنه وكل أهله.. بعـدم المبادرة بأى شىء .. فى إنتظار ما سيفعـلونه . حتى يكون ردهم عـلى مستوى الفعـل .. مع الحرص فى الوقت نفسه ..عـلى عـدم إتاحة الفرصة لهم للفعـل.. ومنعـه أن يبدأ إن أمكن ذلك . وعـلى ذلك كثرت عـيون كل طرف عـلى الأخر . وأصبح الجميع يخشى من الحديث أمام أى أحد من غـير أهله .. وأخذ الناس يتجنبون الجلوس فى الأماكن العـامة .. بالكاد يذهبون للمسجد ويعـودون سراعـا كل إلى بيته .

ــ 23 ــ

بمرورالأيام .. أخذت الحياة تعـود إلى طبيعـتها شيئا فشيئا .. وإن كان طابع الحيطة والحذر.. مازال سائدا بين الناس . وحرص شيخ الخفرخلال هذه الأيام ..عـلى أن يكون ممسكا بزمام الأموروملما بكل الأحداث أولا بأول . وعـرف عـلى وجه التحديد .. من قام بحادث دوار العمدة . كما عـرف بما قام به وفيق ورفاقه .. ويقومون به كل يوم . من إستقطاب أنصار لهم .. ومحاولة كسب أهل البلدة وخاصة الشباب منهم . حقا إنه يغـمض العـين عـن بعـض ما يقومون به .. لكنه يعـرف ما يحدث .. وذلك أمر يختلف عـما كان يحدث من قبل .
وبينما الأيام تمر مرورها السريع .. خصما من عـمر الإنسان . وأحداث القرية .. واقفة عـن التطور. وبعـد صلاة عـصر .. يوم صيفى يـسوده .. نسمات لطيفة نسبيا.. وقبل أن ينصرف المصلون .. يدخل عـليهم أحد أقارب العـمدة السابق .. ليبلغهم بوفاة شقيقه . الذى وافـته المنية من دقائق . وأن الجنازة بعـد صلاة المغـرب . وعـندما بلغ العـمدة الخبر..سارع فى جمع من أفراد عـائلته .. يتصدرهم عـمه إبراهيم .. وأنصاره يتصدرهم عـبده أبو سليمان .. وكبار العائلات الموالية له .. إلى دار الفقيد معـربين عـن خالص العـزاء .. وقال العـمدة أمام إبن الفقيد وابن العـمدة السابق :
ـ أن الفقيد لم يكن شخصا قليل الشأن .. حتى يدفن بهذه الطريقة .. ولابد من إعـداد سرادق كبير..يليق بالمتوفى وأسرته.. وتأجيل الجنازة إلى مابعـد صلاة عـصر الغـد . وأعـلن أمامهم عـن إستعـداده التام لتحمل كافة النفقات .
فلم يكن أمام أهل الفقيد بد من الموافقة .. وإن أصروا عـلى أن يقوموا هم بكل التكاليف المطلوبة .. عـن داير مليم عـلى حد قـول بن المرحوم..فهم والحمد لله مستورون.. ثم أن ما تركه ليس بالقليل .
وتصدر عـبد الجبار .. متقبلى العـزاء .. كما تقـدم المشيعـين مع كبار رجال القرية .. والقرى المجاورة . وأمر بإعـداد الطعـام فى منزله حتى يستضيف عـنده عـلى الغذاء.. من حضرمن عـمد البلاد المجاورة . وأحيا الليلة قارىء شهير.. فسهرت البلدة ليلتها حتى ساعة متأخرة . وبعـد ها جلس عـبد الجبا ر وبعض رجاله فى البلكونة . وبعـد أن إنتهت التعـليقات عـلى أحداث الليلة . مال عـليه عـمه إبراهيم قائلا :
ـ أنا ماعـنتش فاهمك يا عـبد الجبار!!.
ـ ليه يا عـمى ؟.
ـ أنا عايز أعـرف إنت عـملت كده ليه ؟.
ـ لأسباب كتيره .. أولها عـلشان نعـمل تغـيير فى جو البلد المقفول بقاله مدة .. وكمان كانت فرصه الناس تقابل بعـضها وتتكلم مع بعـضها شويه. وأهم الأسباب ياعـمى .. آهو يصرفوا لهم قرشين كويسين وبلاش يكتروا اللى تحت البلاطه .
فضحك عـمه وهو يقــول :
ـ آه .. من عـقلك الجبار .. يا عـبد الجبار.
عـند ذلك سمعـوا صريخا وزعـيقا .. والناس تجرى نحو المنطقة التى بها أرض العـمدة . أسرعـوا يستطلعـون الأمر.. أحس عـبد الجبار بانقباض لا يعـرف له سببا . وبينما العـمدة ومن معـه يتجهون نحو مصدر النيرأن .. حضراليهم من يخبرهم بأن أرضه .. هى التى تشتعـل فيها النيران . وهى الأرض التى أخذها من أولاد أبو العـز.. والشوربجى .. عـلى وجه التحديد .. وكانت مزروعـة قمحا . ومساحتها خمسة أفدنه .
مادت الأرض من تحت قـدميه .. أحس بأن خنجرا غـطه فى قـلبه .. بطعـنة هائلة . "أرض العـمدة .. تحرق.. ومحصولها عـلى وشك الحصاد ؟!. أى أن الفاعـل أراد له ألا يهنأ بما ناله منهم .. كما أنه أراد أن يرد عـلى سم البهائم ". فهرع بتلقائية إلى موقع الحريق .. وأمر بحصد الأراضى المجاورة للأرض التى تحترق .. حتى لاتطالها النيران . فأسرع الرجال لتنفيذ ما أمر به .. وتم محاصرة النيران فى أرضه وإن لم تحترق بالكامل .
وهم عائدون .. اقترب منه وفيق وهمس له :
ـ أحرق عـليهم دورهم الليلة .. قبل ما النهار يطلع وتبرد نارنا ؟.
ـ أنا عـايز.. أراضى العـيلتين بالكامل .. وفى عـز النهار .. ساعـة صلاة الضهر .

ــ 24 ــ

بعـد عـودة العـمدة .. جلس فى البلكونة .. تحيط به هيئة أركانه . وبعـد قليل .. إنضم اليهم .. وفيق .. فى أول تدخل عـلنى .. فى صنع القرار. ساد الصمت .. لبعض الوقت .. وحيث اعـتادوا ألا يتكلم أحد إلا إذا بدأ العـمدة الحديث .. ونظرا لأنه كان شارد الذهن .. فـقد لاذ الجمع الصغـير بالصمت .
لم يكن عـبد الجبار يتصور أن تتسارع الأمور بهذا الشكل .. ولا أن تصل إلى ما وصلت إليه . أن يقوم رجال من القرية التى هو عـمدتها .. والمسؤول الأول عـن الأمن فيها .. بحرق أرضه فى رد فعـل إنتقامى ومنه هو شخصيا!.فـمعـنى ذلك أولا أنه فشل فى توفير الأمن لنفسه.. وثانيا فإن ذلك يجعـله مضطرا للجوء إلى نفس الاسلوب أو أشد منه .. لردع مواطنين .. المفروض أنهم يعـيشون فى كنفه وحماه .. فإن ذلك يعـنى أنه يقول لهم .. ردوا عـلى فـعـلى بنفس المستوى أو أكثر منه . مما يعـنى من وجهه نظره .. أنه ينزل بنفسه من مستوى المسئول الأول عـن البلدة ومن فيها .. إلى مستوى شيخ المنصر . وما يكاد يفقده صوابه.. أن يواجه بمستوى إجرامى مساو.. أن لم يكن أزيد . فإن يقتحم عـرينه .. وتحرق أرضه .. فمعـنى ذلك فى يقينه .. أنهم يريدون أن يقولون له بالفم المليان طظ فيك يا عـمدة أنت وخفرك وشيخهم كمان .. وكل أركان السلطة فى البلد . وعـندما وصل به عـقله إلى هذا الحد . وجد نفسه تستقر.. وعـقله يقرر.. أنه طالما بدأ اللعـبة .. وقبل بها .. فما عـليه إلا أن يتحمل نتائجها للنهاية وليكن ما يكون . فمن غـيرالمعـقول أن يصل به الأمر عـند أى مستوى من الصراع .. أن يقف ويقول لهم .. طب والنبى كفايه كده وتعـالوا نتفاهم . لأن ذلك ليس له إلا معـنى واحدا .. هو يرفضه ويأباه بشدة .
وعـلى ذلك إستقر رأيه عـلى الاستمرار إلى النهاية .. ولن يتوقف إلا بعـد أن يجردهم من كل قوتهم .. الأرض والبهايم .. وحرق البيوت إذا لزم الأمر. عـندما وجد نفسه يصل إلى هذا الحد من التفكير.. توقف لحظة .. هرش رأسه بيمناه .. نظر فى الجالسين حوله ." لكن ياعـبد الجبار.. أيصل بك الأمرفـعـلا النزول إلى هذا المستوى ؟!."
أفاق إلى نفسه .. وقـف من جلسته .. فـوقـف له كل الجالسين . عـاد للجلوس .. فـعـادوا . وبعـد لحظات .. قـال لمن حوله :
ـ أيه قولكم يارجاله .. بعـد ما وصل الحال إلى ما هو عـليه دلوقت ؟
ـ الحال بقى لايسر عـدو ولا حبيب يا عـمده . قال ذلك عـمه إبراهيم .. فلاذ الجميع بالصمت مرة ثانية . وعـند ذلك قال وفيق :
ـ إيه .. سكتم ليه ؟. ماعـدش فيها رجوع .. بعـد حرق أرض العـمدة .. ماعـدش فيها تراجع خلاص . ولابد من رد القلم قلمين .. ولا عايزين عـمدة البلد وكبيرها يروح لعـندهم ويقول لهم خلاص ياجماعه حقكم علىّ . وهاتوا إيدكم أبوسها كمان .
فهتفوا كلهم فى نفس واحد :
ـ مين قال كده .. دى تبقى مهزلة المهازل !.
ـ طيب ساكتين ليه ؟.
ـ اللى يقوله العـمدة عـلى راسنا كلنا . رد عـليهم وفيق :
ـ العـمدة مش هايقول حاجه.. وكمان مش مفروض يعـرف احنا ها نعـمل إيه .وأنا بقول له دى الوقت أمامكم.. بعـد إذنك يابا العـمدة..المفروض ما تحضرش الجلسه دى.. قـوم مـشى رجليك شويه لغاية ما نتفـق .
وجد عـبد الجبار.. كان إبنه وضع يده عـلى الجرح الذى يؤلمه.. فقد كان فعـلا يريد أن يكون بعـيدا عـن ذلك.. ولكنه وجد نفسه مرغـما عـنه وسط الجلسة . ولهذا سارع واقفا وهو يقول فى نفسه " الواد وفيق جاب التايهه ". ودخل السراية .
استمرت الجلسة التى سادها الصمت المذهول لحظات . فلم يكن يتصور الجالسون أن تصل بهم الامور إلى أن يصبحوا هـم أصحاب القرار بالنيابة عـن العـمدة .. وخاصة فى أمر كهـذا. أو أن يكون ابن العـمدة هو صاحب القرار نيابة عـن أبيه . ووجدها وفيق فرصة لحسم الأمر وهم هكذا مذهولون .
ـ فـيه حل تانى غـير اننا نحرق أراضى العـيلتين بالكامل ؟ . قالوا وهم عـلى نفس حالهم من الذهول .
ـ لا .
ـ خلاص .. عـداكم العـيب . مالكومش انتم دخل بالتنفـيذ .. وكل واحـد يروح داره كما لوكان مايعـرفش حاجه خالص .
لكن الشيخ إبراهيم أفاق إلى نفسه وقال :
ـ لكن يا بنى ده يبقى خراب بيوت .
ـ واللى عـملوه .. يعـنى مش خراب بيوت ؟. فرد شيخ الخفـر :
ـ خراب .. بخراب . وانصرف الجمع كل إلى داره كما طلب وفـيق .

ــ 25 ــ

دخل العـمدة حجرة المضيفة. طلب كـوبا من الشاى. أغـلق الباب عـليه .. وجلس عـلى الأريكة .. مسندا رأسه إلى الحائط كما اعـتاد كلما خلا إلى نفسه . كأنما يكون فى حاجة لأن يسند رأسه إلى شىء ما . وأخذ يرتشف الشاى فى صمت.. شارد الذهن .. حتى أتى عـلى مافى الكوب دون أن يدرك .
" كان يجب عـلى أن أبتعـد عـن مثل هذه الأمور من الأول .. أن أتركها لغـيرى .. وفيق .. عـمى .. شيخ الخفر.. أوحتى شيخ البلد . أى واحد من دول كان يقدر يقوم بالمطلوب وأكتر .. وكنت فضلت أنا بعـيد . وليه ده كله ؟. ماهو وفيق هو ورجالته اللى قايمين بالواجب .. وكنت عـملت إنى ما أعـرفـش أى حاجه عـن اللى بيحصل لا أنا ولا إبنى.هو إحنا ها يوصل بينا الحال..لدرجة إننا نحرق أرض ؟!.. أو نسرق بيوت ولا حتى نسمم بهايم ؟!. الحاجات دى لها ناسها اللى تقوم بيها وإحنا بعـيد خالص."
الحـق يقال أن الرجل .. كان بداخله.. شىء من الرفـض لمثل هذه الأمور .. فـطوال عـمره لم يكن ميالا للعـنف .. أو حتى أن يأخذ حقه بالقوة . أما أن يصل به الأمر لدرجة أن يأمر بسرقة أو حرق.. فهذا بعـيد جدا عـن شخصيته . حتى أنه كان يقول لنفسه " أمال يعـنى هاسيب إيه لشيخ المنصر." لذا فـقد وجـد فى نفـسه راحه كبيره عـندما طلب منه وفـيق .. ترك الاجتماع والبعـد عـن هذه الأمور. " ومن هنا وجاى .. ماليش دخل باللى بيحصل واللى هايحصل . وأهو شيخ البلد وشيخ الخفـر موجودون . وأفوق أنا لتربية العـيال .. دول بقوا خمسة فى عـن العـدو.. أربعة صبيان وبنت من رقـيه وحدها . وآهى فرصه برضه الواد يتعـود عـلى أمور العـموديه . عند هذا الحد .. انتبه فجأة . " وفـيق العـمدة من بعـدك .. بعـد العـمرالطويل لك ياعـبد الجبار ". أعـجبته الفكرة .. أو ربما وجد قـلبه يميل إليها .. فأخذ يرددها فى نفسه مرات وهو يهرش رأسه بيمناه .
" طب وفيها إيه .. يعـنى مين هايكون أنسب منه للعـمودية من بعـدى ؟؟. إيه اللى جرالك ياعـبد الجبار.. إنت ياعـنى قاعـد تحسبها ذى اللى هاتموت بكره . وفيها إيه ؟. هو فيه حد ضامن عـمره . والله الواد مناسب ليها قوى . طب أيه قولك فى رقـيه مراتك ؟ . هاتسكت وعـندها أربعة صبيان ؟. بس دول لسه عـيال صغـيرين يا عـبد الجبار. ووفـيق الأولى ." عـندما وصل بفكره إلى هذا الحد وجد نفسه يقول بصوت عال :
ـ أيه ده ياعـبد الجبار .. إنت قاعـد تفكر فى أيه ؟. هو ده وقته ؟. ما تخليك فى المصيبه اللى أنت فيها . توقـف عـقله عـن التفكير.. وقف من جلسته .. أخذ يدور فى الحجرة . جلس من جديد .
ـ خلاص .. مافيش حل غـير كده .. وفـيق يتولى هذه الأمور وهـو حـرهـو ورجالته فى اللى يعـملوه.. مع الشوية العـيال دول .
عـند ذلك تصاعـد من داخله صوت آخر :
ـ بس ده لسه صغـير .. شاب طايش .. لأ .. لأ .. مش طايش .
ـ طيب ياسيدى مش طايش .. بس الشباب ميله للعـنف أكتر .. لازم برضه يكون فيه لجام يلجمه عـند اللزوم .
ـ طب .. هو أنا يعـنى رحت فين ؟. ما أنا برضه موجود بس من بعـيد . وكمان عـمى إبراهيم وشيخ البلد موجودون .
عـند ذلك وجـد وفـيق يدخل عـليه الحجرة .. بعـد انصراف من كانوا معـه .
ـ هيه ياوفـيق .. وصلتوا لايه ؟.
ـ ما تشغـلش بالك يابا .. إبنك راجل يعـتمد عـليه .
ـ بس عـايزك يابنى تتحلى بالحكمه كده .. وتتصرف بعـقل .. وتعـمل لكل شىء حسابه .
ـ ما تقلقـش ياعـمده .
قال ذلك وترك والده وخرج يرتب أموره مع رفاقه .


ــ 26 ــ
وقد اقتربت الشمس من كبد السماء .. فى يوم صيفى حار نسبيا.. والناس تتأهب لصلاة الظهر. إذ بصراخ نساء.. اختلط بزعـيق رجال . والكل يجرى إلى الحقول بالناحية الشرقية للبلدة . حيث تصاعـدت ألسنة النيران من أربعـة مواقع متفرقة والدخان يتصاعـد إلى الأفق . خرج العـمدة محاط بمن حضر من رجاله .. تبعـه بعـد لحظات ..وفيق محاط بحشد من رجاله .. والكل متجه إلى مكان الحريق وعـلامات الأسى تكسو الوجوه . وعـندما وصلوا إلى موقع الحرائق كانت النيران قـد أتت عـلى أعـواد القمح .. بالمواقع الأربعة . والتى تصل مساحة كل قـطعـة منها إلى فـدانين . فـقد جرت النيران فى الحقول .. لحرارة الجو من ناحية ولجفاف العـيدان لقرب الحصاد من ناحية أخرى . وعـلى ذلك فقد تلاقى ركب العـمدة الذاهب.. مع ركب الرجال الذين قد سبقوا إلى المكان وفى طريقهم للعـودة بعـد إنتهاء الحريق . وأن بقى أصحاب الأراضى المجاورة للتى إحترقـت .. وخشية عـلى محصولهم .. أخذوا فى حصاده بداية من المناطق المجاورة للأراضى التى احترقت. توقف العـمدة وركبه مع بعـض العائدين.. يسألهم عـما حدث كما لو كان لايعـلم شيئا .
ـ أرض مين يارجاله ؟.
ـ أراضى أبو العـز والشوربجى .
ـ اتحرقـت .. لاحول ولا قـوة الا بالله .
ـ عـليه العـوض ومنه العـوض .
هكذا ردد شيخ البلد .. بعـده .
توقف الجمع لحـظات .. فـلحق بهم ركب وفـيق ومن معـه .. فإزداد الجمع كثافة . وأخذ البعـض منهم يحكى عـما بذلوه من جهد فى محاولة إطفاء النيران . إلا أنها كانت أسرع من أى جهد لوقفها . والبعـض الأخر يتسائل :
ـ وآخرة اللى بيحصل ده أيه يا ناس ؟.
ـ الخـراب للجميع .
ـ هى الناس ناقـصه ؟.
عـند ذلك وجه شيخ الخفرحديثه للعـمدة .
ـ إرجع إنت بقى ياحضرة العـمدة .. وأنا هاروح أعاين مكان الحريق .. وأشوف أن كانوا هايقدموا بلاغـات ولا لأ .
ـ ماشى ياشيخ الخفـر.
وعـاد الجمع .. حتى اذا وصل العـمدة ومن معـه إلى السراية .. وبعـد لحظات صمت .. قال إمام المسجد :
ـ عــم الخراب فى البلد .
ـ من قـلة عـقول الناس .. هو فـيه حد برضه ينتقم من ابن بلده بسم بهايمه وحـرق أرضه .
هكذا بادر الشيخ إبراهيم .. إمام القـرية .
ـ ده كفـر والعـياذ بالله .. ده حتى الكفـره مابيعـملوش كده فى بعـض . هكذا أكـد الإمام .. ثم أكمل :
ـ وبعـدين ياحضرة العـمدة وكبيرها ؟.. العـمل أيه ؟.
ـ العـمل عـمل ربنا يامولانا .. أنا بس بإيدى إيه أعـمله وأنا أعـمله ؟!. إللى يعـرف مين اللى عـمل كده .. يقول . وإن كنت أتأخر عـن القيام بواجبى .. يبقى لكم الحق وللبلد كلها الحق تعـملوا فىّ اللى أنتم عـايزينه .
ـ لاسمح الله ياعـمده .. هو فـيه حد قال فى حقـك أى حاجه . ينقطع لسان اللى يقول فى حقك نصف كلمه .. وحتى قبل ما يقولها .
ـ أيوه يا سيدى .. بعـد سم البهايم . اتهمونى كده بالمتغـطى إنى أنا اللى وراها .. أمال اتحرقـت أرضى ليه يامولانا . وزمانهم دى الوقـت .. بيتهـمونى برضه بالمتغـطى إننى اللى ورا حرق الأرض النهارده.. إنتقاما من حرق أرضى..خلينا نتكلم عـلى المكشوف يا مولانا .
ـ لاحول ولا قوة الا بالله العـلى العـظيم .. ده إنت معـروف طول عـمرك.. بنظافة اليد .. وطيبة القلب .. وأنا شاهد عـلى ذلك والله عـلى ما أقـول شهيد .
ـ تقـول أيه بقى يا مولانا ؟.
ـ يقول أيه .. هو والاغـيره .. هو فـيه عـمده بيحرق أراضى ولا بيسم بهايم .. يبقى عـمده إزاى وهو مسئول أصلا عـن سلامة الناس وأراضيهم وبهايمهم . قال ذلك الشيخ إبراهيم .
ـ لا ياعـمده لا .. مالكش حق .ينقطع لسان كل من لسن عـليك بكلمه . قال ذلك شيخ البلد . فـوافـقه كل الجالسين .. وتعـالت صيحات الموافـقه والاستنكارعـلى الإتهام .
ـ عـموما كل واحد منه لله .. هو المطلع عـلى القلوب وخفايا النفوس . قال العـمدة ذلك حسما للنقاش وإنهاء للجدل وترفعا .
ساد الصمت بعـدها لحظات .. إستأذن بعـدها الإمام منصرفا .. وتلاه الجمع فرادا .. حتى إذا وجد العـمدة نفسه وحده .. نظر إلى الجهه المقابلة حيث إعـتاد وفـيق الجلوس. فـوجده قـد خلع الطاقية التى تعـود وضعـها عـلى رأسه .. وأخذ يهرش فيها وعـلامات الرضى تكسو وجهه . أسند رأسه إلى الحائط خلفه .. أغـمض عـينيه .
" وبعـدها يا عـبد الجبار .. الناس دى هاتعـيش ازاى؟.. وتاكل منين ؟. دول شويه الغـلة اللى بيستنوهم من السنه للسنه واتحرقـوا . طيب الناس دى هاتعـمل إيه ؟. ومين اللى قال لهم يحرقـوا أرضى ؟. أيه ياعـبد الجبار؟. إمتدت يده اليمنى بتلقائيه .. تهرش رأسه . التفـت إلى وفـيق وناداه .. حتى إذا جلس بجانبه .. قال :
ـ وبعــدين ياوفـيق .. الناس دى هاتعـيش إزاى ؟.
ـ زى ما غـيرهم عـايشين .
ـ أقصد يعـنى بعـد حرق غـلتهم ..هايكلوا منين يابنى؟.
ـ يابا .. هو فـيه حد بيموت من الجوع ؟. يشتغـلوا .. ياسيدى أنا موافـق ييجوا يشتغـلوافى أرضنا .. ولا أقول لك.. يبيعـو الأرض .. مادام هما ما عـدش حيلتهم حاجه .. ونبقى نتوصى بيهم شويه فى التمن .
ـ يخرب عـقلك ياوفـيق .. ده إنت شيطان ياوله .
ـ ليه يابا العـمده .
- تقصد يعـنى أن حرق الأرض يخليهم يبيعـو أرضهم .
ـ إمال يعـنى هايعـملوا أيه ؟.
ـ وأن عـاندوا ومارضوش يبعـوها لنا .
ـ ومين ساعـتها اللى ها يجرؤ أنه يقرب منها .
ـ إزاى يعـنى ؟.
ـ سيب الموضوع ده عــلى .
ضرب العـمده كفا بكف وقــال :
ـ ده أنا عـمرى ما فكرت كده .
فـقال وفـيق وهو يضحك ملىء فيه .
ـ وانت تفكر ليه .. وتتعـب نفسك وأنا موجود ؟!. سيب التفكير والتدبير ليا أنا .
نظر عـبد الجبار لإبنه وهو يقول فى نفسه :
ـ ياويلك يا بلد .. من وفـيق إبنى .
وقـام من مجلـسه .

ــ 27 ــ

سرعان ما انتشر فى البلدة .. الحوار الذى دار بين العـمدة والإمام .. وأخذ الناس يتداولونه فى مجالسهم .. ومنهم من قالها واضحة :
ـ وهومين يعـنى له مصلحه فى كده غـير العـمدة ورجالته ؟!.
ومنهم من استبعـد أن يكون للعـمدة يـد فـيما حدث .. وإنما الذى وراء هذه الأفعـال إبنه وفـيق .. ومن حوله من الشباب والرجال . فالعـمدة طوال عـمره ومن أيام أن كان شيخا للبلد وهو معـروف عـنه نظافة اليد .. والطيبة . ولم يسمع أحد من أهل البلد يوما عـنه أى شىء يسىء إلى شخصه كعـمدة . كما أن الرجال المحيطين به هم كبار رجال البلد وكبار عـائلاتها .. ومن المستحيل عـلى أى منهم أن يقترف مثل هذه الأعـمال من أجل خاطرالعـمدة أوغـيره . إنما الذى يمكنه فعـل ذلك .. ولديه القدرة عـليه فعـلا .. هو إبنه وفـيق . فـمنذ بلوغـه سن الشباب وسيرته بطاله مع بنات ونساء القـرية . مما جعـل العـمدة يسارع فى تزويجه . إلا أن سيرته مازالت عـلى كل لسان .. وإن كان فى مجال آخر. حيث انتشرت سرقة البهائم من الحقول ليلا..وهى دائره فى السواقى ..أو وهى ذاهبه أو عـائده من الحقول .
حيث يخرج عـليهم من بين الأشجار أو من بين عـيدان الذره .. من يرفـع فى وجه الفرد منهم سلاحه .. ويطلب منه ترك البهيمة والنفاذ بجلده .. فيتركها ويعـود إلى داره جريا . ويوم أن وقـف أحد الشبان لهم يوما.. متحديا .. خرج عـليه أكثر من عـشرة رجال .. وقاموا بربطه بالحبال عـلى ساق إحدى الأشجار .. وانهالوا عـليه ضربا .. وتركوه مربوطا حتى الصباح .. بعـد أن جردوه من كل ملابسه .
كما انتشر فى القرية .. سرقة أجولة الأرز .. والقمح. التى يقومون بتخزينها فى بيوتهم للاستهلاك منها حتى المحصول القادم. بالإضافة لسرقـه الطيور من أمـام الدور. كل ذلك أرجعـه أهل البلدة إلى رجال وفـيق الذين يتمتعـون بحمايته . ولم يجرؤ أحد أن يفتح فـمه ليقول للعـمدة أو حتى شيخ البلد . فالكل يتحمل صامتا خشية من أن تزداد الأمور سوءا .. ويحمد ربنا عـلى ماهو فـيه . ومن الناس من يؤكد أن ما يتم بعـلمه وتخطيطه .. لبث الرعـب بين أهل البلد . وربما نسبت اليه أعـمال لم يقـم بها رجاله .. لكن أهل البلده تعـودوا أن ينسبوا له كل مايحدث .. وبينه وبين نفـسه كان يسعـده ذلك .. وكان يقول لمن حوله من أتباعـه :
ـ أحسن .. عـلشان يزداد خوفهم منى أكتر وأكتر .
أما العـمدة فـلم يكن يصدق .. أن يكون وفـيق وراء كل ما يحدث فى البلد .. ويبلغـه به رجاله . وكان يقول لنفسه :
ـ إمال فين الحراميه اللى كانوا فى البلد .. ولا كلهم بقـوا من رجالة وفـيق ؟!.

ــ 28 ــ

وصل إلى مسامع العـمدة وابنه .. أن البعـض من جيران عـائلتى أبو العـز والشوربجى .. وأقاربهم قاموا فى الخفاء .. بإمدادهم بالقـمح والأرز اللازم لإستهلاكهم طوال العـام . فـوجد ذلك الأمر صدى طيبا فى نفس العـمدة . أما وفـيق فـقد اغـتاظ منه وهدد وتوعـد بينه وبين نفـسه .. كل من يعـرف أنه قام بذلك من غـيرالأقارب والجيران . فهم فقط المسموح لهم بذلك أما ماعـداهم فلا يجب أن يقـوموا بإمداد خـصومه بما يلزمهم .. وإلا يعـتبر ذلك تحديا شخصيا منهم له . ولأن الكل فى البلده يعـرف من هو وفـيق .. ويده الطويله . فإن تحديه ليس بالأمر الهين عـلى أى فـرد . ولا يمكن أن يفكر فيه . وخاصة بعـد أن سرى بين الناس أن العـمدة ترك مسئولية العـمودية له . وعـلى ذلك تهافت كل صغـير شأن .. يريد أن يكون له شأن فى التقـرب منه ووضع نفـسه تحت تصرفه .. بل والتبارى فى إرضائه ونيل شرف القرب منه . وأصبح كل شىء عـنده بثمنه .. لأن معـنى أن تكون كذلك .. أن تتمتع بالحماية التى يسبغها عـلى رجاله .
وفى سهرة أعدها له أحد خلصائه .. وبعـد عـشاء يتناسب ومقامه .. وبينما يحتسيان الشاى مال عـليه مضيفه وقال :
ـ أنت ماسمعـتش عـن الجرارت الزراعـيه ؟!.
ـ لأ .. أيه دى .
ـ آله تحرت وتروى .. بدل البهايم .. وكمان لو جبنا لها مقطوره تحمل عـليها اللى إنت عـاوزه .
ـ شفتها ؟.
ـ سمعـت عـنها الأول .. وبعـدين وأنا فى البندر الأسبوع اللى فـات .. شفتها فى معـرض .
ـ ودى بكام .. الواحد ؟.
ـ يدوب كده .. تمن فـدأن أرض .
ـ مش غـاليه ؟.
ـ لأ .. ده لو إحنا جبنا واحد وأجرناه للناس .. فى الحرت والدراس والرى .. شوف بقى إنت .. طول السنه بيشتغـل .. لايكل ولا يمل .
وأكمل أحد الجالسين :
ـ ولا لبنها يقـل .. ولا تقع وتندبح .
ـ وكمان ماكينة ميه .. وتبقى العـملية كملت .
لاذ وفـيق بالصمت لحظات .. يقلب الأمر عـلى جميع جوانبه .. ثم سأل :
ـ ودى تتأجر إزاى؟.بالساعه ولا باليوم ولابالفـدأن؟.
ـ سألت .. قالوا لى بالساعه فى الدراس والرى وبالفـدأن فى الحرت .
ـ والله كويس .. طيب بتشتغـل بأيه ؟.
ـ بالسولار .
ـ وده هانجـيبه منين ؟.
ـ اللى بيتاجر فى الجاز.. يجيب معـاه السولار .
ـ طيب .. وأنت كصاحب الفكره .. عـايز من وراها أيه ؟.
ـ يعـنى كلك نظر يا وفـيق بيه .
ـ من الصبح نطلع عالبندر .. ونجيب الجرار وماكينه الميه .. والمقطوره كمأن .. وإنت اللى هاتتولى الإشراف عـلى الجرار ..وتكون المسئول عـنه وعـن إيراده قدامى .. وتشوف له سواق كويس . ونظر إلى الجليس الثانى وقال :
ـ وأنت تكون مسئول عـن ماكينه الميه وإيرادها قدامى . بس لازم ناخد رأى العـمده الأول .. وعـلشان كده أنا هاقـوم ألحـقه قبل ما ينام وآجى لكم تانى نكمل السهرة. وتركهم مسرعا .. ليجـد والـده جالسا بالبلكونه ومعـه عـمه إبراهيم . فالقى عـليهم السلام وجلس بجوار والده .. الذى سكت عـن حديثه ونظر اليه مستفسرا .
ـ خير .. أيه اللى جابك بدرى كده ؟.
ـ فـيه موضوع كده عـايز آخد رأيك فـيه .
ـ خير أن شاء الله .
عـرض عـليه وفـيق الفكرة وأكمل :
ـ وأنا شايف إننا لو جبناهم قبل ما حد تانى فى البلد يجيبهم .. هاتبقى مصالح البلد كلها فى ايدنا .. وكمان ها يكون المكسب مضمون .
صمت العـمدة مذهولاً لحظات .. هو وعـمه . فـلم يكن يخـطر عـلى بالهم مثل هذا الأمر . حقا ربما يكون قد سمع عـن هذه الآلات من قبل .. لكن أن يفكر فى شرائها وإستخدامها أو تأجيرها فـلم يكن يخطر له عـلى بال .
ـ والله يابنى دى فكره مش بطاله .
ـ خلاص عـلى بركة الله .. أنا من صباحية ربنا هاكون فى البندر .. ومعايا ناس تفهم فى الموضوع ده .. وعـلى الضهر بمشيئة ربنا هاتلاقـينا ومعـانا المطلوب .
ـ ومستعـجل ليه كده ؟.
ـ خـير البر عـاجله .
ـ طب عـايز فـلوس ؟.
ـ خـيرك موجـود .
وانصرف مسرعاً ليكمل سهرته .
مال العـمدة عـلى عمه قائلا :
ـ الواد مخه نضيف .. ياعـم إبراهيم .
ـ ربنا يبارك لك فـيه .

ــ 29 ــ

لم تكن رقـيه .. غـافـلة عـما يقوم به وفـيق .. وعـما وصل اليه من سطوة فى البلده . وكانت تطوى ما فى نفسها .. معـللة ذلك بأن أولادها مازالوا صغـارا .. فأكبرهم لم يتجاوز الثانية عـشر من عـمره . كما أن الأمور لاتعـدوا أن تكون تصرفـات فرديه .. لم يترتب عـليها شيئا جديا .. كان يقوم العـمدة مثلا بكتابة أرض باسمه أو ماشابه ذلك . ومع ذلك .. الأمر لم يخلو.. من بعـض التلميحات منها للعـمدة بين حين وآخر . وخاصة عـندما يصلها أمر من أمور وفـيق . إلا أن العـمدة كان حاسما معـها فى كل مرة أثارت فيها هذا الموضوع قائلا لها وبكل وضوح :
ـ بقـول لك أيه .. كلهم أولادى .. وبلاش تفتحى الموضوع ده أمام أى حد . خللى الأولاد يطلعـوا يحبو بعـضهم .. ووفـيق أخوهم الكبير ومالوش بركه إلا هما . ثم أنى ماميزتش وفـيق عـن أى واحد منهم فى حاجه .. وأن شاء الله بعـد عـمر طويل كل واحد ياخد نصيبه الشرعى . وإياكى تفتحى الموضوع ده تانى .
إلا أنها لم تطق نفسها .. وكان النار ولعـت فى جسدها.. عـلى حد تعـبيرها هى لأبيها ليلة وصول الجرار ومستلزماته . وخاصة بعـدما تقصت وعـرفت أن الذى سيدير أمورها وفـيق . واعـتكفت فى حجرتها وأغـلقت عـليها الباب من الداخل .. وتربعـت عـلى السرير .. وإرتكزت بكوعـيها عـلى ركبتيها وبكفيها عـلى خديها . وقد ربطت رأسها بوشاح أسود . وأخذت رأسها تدور :
ـ بكره القرش يجرى فى إيده .. بكره إيه . ده من زمان والقـرش فى إيده .. مش هو اللى بيزرع الأرض وبيصرف عـليها .. وهو اللى بيبيع المحصول كل مره وبيقبض حقه فى إيده . الله أعـلم بيعـطى لأبوه أيه وبياخد أيه لنفسه. وكمان عـايش فى البلد بالطول والعـرض ومراته لابسه دهب لغاية كيعانها الإتنين .. منين ده كله يابت يارقـية ؟. وآخرة المتمه يجيب جرار وماكينة الميه والمقطوره بالشىء الفلانى .. عـلشان يبرطع فى البلد كمان وكمان . وبكره هو اللى يصرف عـلى البيت .. وجوزك قاعـد كده زى شرابة الخرج . ماهو كبر وما عـدش قادر عـلى حاجه .. وبكره كمان العـيال يمدوا إيدهم له ويقـولوا له هات يابا وفـيق المصروف . تبقى القيامه قامت يابت يا رقية .
وأرسلت لأبيها خفية .. فوافاها عـلى عـجل وأدخلته الحجرة وأعادت غـلق الباب خلفهما . وأفضت اليه بكل ما يساورها من شكوك ومخاوف .. وما يدور فى رأسها من أفكار . فاستمع الرجل إليها بصبر حتى إذا إنتهت من كل ما عـندها قال:
ـ إسمعـى يابنت الناس .. ممكن يكون اللى بيدور فى دماغـك ده كله صحيح .. وممكن يكون عـندك حق فى اللى أنت قولتيه كله . لكن يابنتى عـايزك تكونى حكيمه . وتطوى عـليه قـلبك وما يطلعـش لحد..حتى لجوزك .ليه؟.. عـلشان مافيش فى إيدك حاجه تعـمليها .. وكمان ماحدش فى البلد النهارده عـاد يقدر عـلى وفـيق.. حتى أبوه نفـسه . ها تيجى إنت تقفى قدامه ؟. وكمان العـمده فى الأول والآخرعـمره ماها يرضيه يظلم حد من ولاده ولا يدى حد أكتر من التانى . وحتى يعـنى لو حصل وانظلم حد ..وده مش هايحصل أبدا وأنا عارف عـبد الجبار كويس ومتأكد أنه عـمره ما يعـملها . فالخير كتير .. يكفى الأولاد كلهم ويفيض . ما تخليش الشيطان يلعـب فى عـبك ويخرب عـليكى إنت وعـيالك .
ـ يعـنى إنت يابا شايف كده ؟. قالت ذلك بعـد أن اقـتنعـت بمنطق أبيها .. والتى تعـرف طريقة تفـكيره جيدا.
ـ أيوه أنا شايف كده.. واكفى خيرك شرك .. وإقفـلى الموضوع ده خالص .. وطلعـيه من دماغـك . وتركها وخرج كما عـاد .
فقامت وبدلت ثيابها .. وهيأت نفسها وخرجت لتجلس مع الجالسين فى صحن الدار يعـبرون عـن فـرحتهم بما أحضره وفـيق من البندر .

ــ 30 ــ

أراد أنصاروفـيق ورجاله الإحتفال بالجرار ومشتملاته إحتفالا كبيرا .. بأن يقطروا الماكينة بالجرار ويدورون بهما حول البلدة . إعلانا بالسبق .. واحتفالا بما إعـتبروه نصرا لهم عـلى خصومهم . إلا أن العـمدة إستهانة منه بخصومه من ناحيه ومن ناحية اخرى فهو يرى أن الفرحة فى القـلب ولا تحتاج إلى طبل وزمر . وعـلى ذلك أمر بألا يتجاوز الإحتفال الجرن والأرض الخلاء حول الدوار . حتى إذا أرخى الليل أسدله .. وبدأ الظلام يحتضن البلدة .. ويحتويها بين طياته .. طلب العـمدة من سائق الجرار .. ركنه بجوار السراية مع مشتملاته حتى يكونوا ضمن ما يحرسه خفيره الخصوصى .. حتى يتم بناء جراج خاص لهم . وقررت جماعـة وفيق .. السهر هذه الليلة بجوارهم حتى الصباح .. ليس خوفا من السرقة .. وإنما إستمرارا للإحتفال.ولأن العـمدة أمر بأن يخرجوا مع إشراقة شمس الغـد لرى أرضه القبلية . تمهيدا لشتل الأرز وإعـادة غـرسه فى الأرض المروية .
وجلس العـمدة فى مكانه المعـتاد محاطا برجاله وأنصاره .. الذين هلوا عـلى مجلسه للمباركة وإعـلان الفرحة .. حتى إذا إنتهى السمر .. وبدأ الرجال فى الإنصراف .. ولما وجد عـبد الجبار نفسه أخيرا وحده .. أسند رأسه للحائط خلفه .. هرشها أسفل الطاقية ..أغـمض عـينيه .
" والله ياعـبد الجبار .. فـكرة الواد وفـيق جات فى محلها تمام .. وعـلى كده الجرار يقوم باللى كانت بتقوم به البهايم .. ونخليها للتربيه ..أقله تلحم كده ولبنها يزيد .. يعـنى الخير جاى من وراها من جميع النواحى ". وعـلى ذلك وجد بداخله ميلا واضحا لمسا لمة خصومه .. وما عـدش فـيه داعى بقى للعـداوة .. وندور عـلى اللى ورانا . هو يعـنى آخرة السكه دى أيه؟. الخراب لهم .. قبل مايكون ليا . فأنا العـمدة واللى معـايا مهما كان برضه أكتر من اللى معـاهم . ياريت ربنا يهديهم ويبطلوا اللعـبه دى معـايا. عـندما وصل إلى هذا الحد .. طرأت عـليه فكرة :
ـ فيها أيه ياواد ياعـبده إما تعـملها وتبين حسن نيتك ناحيتهم .. وتخـللى وفـيق يحرت لهم أرضهم ويرويها المره دى مجانا .. كمساعـده لهم . لكن إفرض فهموك غـلط ؟. وإنى خايف إنهم ينتقموا لحرق أرضهم . خايف .. خايف من أيه ؟. ده أنا برضه العـمده . وهخاف منهم ليه .. وبأمارة أيه إن شاء الله ؟". وقف من جلسته ..وأخذ يتحرك فى البلكونه .
"وإفرض رفضوا الموضوع ده من أصله .. ألا يكون فيها إحراج لك ؟.. وإحراجها أيه ؟. أقل مافيها البلد هاتقول :
ـ العـمدة بقـلبه الكبيرمد لهم يد المساعـده وهما اللى رفـضوا. بعـدها يبقى أكبرمافى خيلهم يركبوه. ويستاهلوااللى يجرى لهم بعـد كده ".
بدا لعـبد الجبار أن مادار فى رأسه .. يستحق محاولة تنفيذه . وإستهوته المحاولة .. فـإتجه للناحية التى يجلس بها وفـيق ورجاله ونادى عـليه .. حتى إذا وقـف قبالته .. عـرض عـليه ما دار فى رأسه :
ـ والله يابا .. كلامك معـقول وما فيهش حاجه غـلط.. بس ولاد بلدنا مش هما اللى هايفهموا الكلام ده . ساعة ما تمد لهم إيدك .. ها يقولوا .. شوفوا العـمدة أهو بيعـترف إنه هو اللى عـمل فينا اللى إتعـمل كله .. وجاى فى الآخر قال أيه يمد لنا يد المساعـده .. وساعـتها ها يتخنوا رقابيهم ويلاقـوا اللى يسمع لهم .. ويقـول لهم والله إنتم معـاكم حق.
ـ يابنى .. فى كل الأحوال إحنا مش خسرانين حاجه .
ـ هاقـولك عـلى حاجه .. أيه رأيك .. إحنا نسيب الأمور كده بطبيعـتها .. ومش هانمد إيدينا عـليهم تانى .. حتى ياسيدى لو عـملوا هما حاجه.. يبردوابها نارهم . إلا لو كانت حاجه كبيره تجبرنا عـلى الرد . وأما موضوع الحرت والرى .. فوالله أن هما طلبونا فى حاجه نروح ونعـمل اللا زم .. وساعـتها نقول لهم .. دى عـربون المحبه .. أو أى حاجه عـايز تقولها . تبقى كده الأمور ماشيه صح .. وإحنا حافظين كرامتنا . أيه قولك فى كلامى ده ؟.
ـ والله يابنى كلامك كده كويس .. خلاص عـلى البركه . ذى ماإتفقنا .
وهكذا أحس عـبد الجبار أنه أرضى الهاتف الداخلى.. الذى يجنح به إلى المهادنة والسلم . واتجه إلى الداخل .. وعـاد وفيق إلى رفاقه .


ــ 31 ــ

جافى النوم عـبد الجبار.. أخذ يتقلب فى الفراش عـلى جانبيه . وعـندما أدرك أن النوم قـد عـانده . نهض من فراشه بجلباب النوم .. حتى اذا بلغ مكان جلوسه المعـتاد بالبلكونة .. جلس . إلا أنه خطر بباله أن يتفقد خفير الدرك .. المعـين لحراسة السراية .. فتحرك بحرص .. حتى إذا وجده يتحرك ذهابا وإيابا حول السراية .. عـاد إلى مكانه .
لم يعـد يدرك سببا مباشرا لمجافاة النوم له .. بالرغـم من حرصه الدائم عـلى أن يأوى إلى فراشه فى موعـد ثابت .. هو منتصف الليل . عـلى أن يستيقـظ قبل شروق الشمس .. حتى يلحق بصلاة الصبح حاضرا .اعـتدل فى جلسته .. وضع ساقا عـلى ساق .
منذ أرسل صغـاره إلى كتاب القرية وهو بين الحين والحين .. يسأل عـنهم وعـن مستوى حفظهم لكتاب الله .. ودائما ما يكيل لهم شيخ الكتاب المديح .. إلا أنه فى يوم سأله بشكل عـارض :
ـ هو أنت مش ناوى توديهم المدارس ولا أيه ياجناب العـمدة ؟.
لم يجب عـليه ساعـتها لأنه فى حقيقة الأمر لم يكن قد فكر فى هذا الأمر من قبل . فلم يخطر بباله أن يرسل أولاده إلى مدارس فى البندر . وكان ينوى أن يترك الأمور تجرى كما جرت معـه ومع أخيهم وفـيق من قبلهم . إلا أن سؤال شيخ الكتاب أثار كوامن شجنه .. فـكم حلم بأن يكون له إبن إماما للقرية مثلا .. وبعـد أن أصبح عـمده .. كم حلم بأن يكون له إبن ظابط شرطه .. حتى يكبر ويكون مأمور مركز كده والدنيا تتهز له .. وهو داخل وخارج .. ويقف أمامه الجميع بكل إحترام .
إستيقظ من أحلامه عـلى سؤال طرأ عـلى ذهنه :
ـ وأيه المانع ؟!.. الفلوس.. وكتيروالحمد لله . لكن إزاى العـيال الصغـيره دى هاتعـيش فى البندر لوحدها ؟. ومن سيعـد لها الطعـام ويراعـيها .. ويقول لهم ذاكروا دروسكم ؟. ماهم صغـاربرضك ولازم حد يراعـيهم . عـند ذلك وجد سؤالا يطرأ عـلى ذهنه :
ـ وفيها أيه إما تروح رقـية مع ولادها ؟.. وآهى أم هاشم موجوده وشايله الدار مع مرات وفـيق . وحتى لو مافيش حد .. هو يعـنى هانموت من الجوع .. كفايه قوى مرات وفـيق تعـمل لنا اللقمه أنا وجوزها .. وتغـسلى هدومى مع هدومه . وآهو الشغالين فى البيت كتير بيساعـدوها . خلاص ياعـبد الجبار .. من بكره تبعـت وفـيق يشوف لاخواته شقة فى البندر ولا حتى بيت صغـيرنشتريه لنا .. بدل ما كل سنه يتنقلوا من بيت لبيت . وبكره ولاد وفـيق يحصلوهم من صغرهم . ومهما كان المستقبل للتعـليم برضه .. وكمان عـيشه البندر أحسن لهم.. أقله يبعـدوا عـن البلد ومشاكلها .. ويتربوا كويس .
إستقر قراره عـلى ذلك .. وكما لو كان هذا الأمر كان السبب فى مجافاة النوم له .. نهض متجها إلى فراشه..وبينما هو يخطو للداخل شاهد وفـيق عـائدا من الخارج .
ـ أيه اللى مصحيك لغـاية دللوقت يابا ؟!.
ـ تعـالى كنت عـايزك .
وعـادا لمجلسه السابق . وسرد عـليه كل ما فكر فيه قبل حضوره .. وما إستقر عـليه رأيه. ولشد ما كانت سعـادته بالغـة .. عـندما وجد الترحيب الشديد منه . وموافقته له عـلى شراء البيت .. آهو يكون ذى إستراحه لهم فى البندر .. كلما أراد أى منهم تغـيير جو .. يقعـد له يومين هناك ويرجع . وياعـالم بكره يحصل أيه .

ــ 32 ــ

قبل صلاة الظهر.. كان وفـيق قـد عـاد من المدينة .. وجلس مع والده يحكى له عـما فعـله .
ـ عـن طريق واحد من السماسرة .. توصلت لبيت من دورين .. كل دور شقتين .. والواحده تلات مطارح .. برحين وكويسين .. ومنافعـهم . وقريب من المدارس والسوق . وتمنه معـقول قـوى ..وفى الإمكان دفعه مره واحده . ودفعـت مبلغ عـربون.. وإتفقت مع صاحبه بأننا هانفوت عـليه بكره .. نخلص فـيه .
ـ وليه ما خـلصتش فـيه ؟.
ـ ما هو لازم نكتب عـقد .. ونسجله فى الشهر العـقارى .. وعـلشان كده لازم تكون معـانا بكره .
ـ وما عـملتش ليه العـقد بإسمك وخلصت ؟.. أبوك ماعـدش حمل سفر .
ـ طول ما حسك فى الدنيا .. كل شىء لازم يكون باسمك يابا .
ثمن عـبد الجبار لإبنه هذا الموقـف عـاليا . وفى نفس الوقـت تيقـن من أن إبنه غـير طامع فى أى من حقـوق أخوته .أو قـل إنه أعـلن ذلك عـلى الأقـل . وكان قد أخبر زوجته رقـيه بما إتفق عـليه مع وفـيق .. أثناء تناوله الشاى بعـد الإفـطار .. وهما جالسان معا .. وطلب منها أن تهىء نفـسها للإقامه مع الأولاد إعـتبارا من بداية العـام الدراسى.
ـ هو أنا فـيه حيل للشغـل وحملأن هم العـيال ؟.
ـ أيه .. ده إنت لسه بنت سبعـ تاشر يابت .
ـ لأ .. لأ .. ما عـنتش أقـدر عـلى كده .
ـ خلا ص .. إبقى خدى واحده من الشغالين معـاكى .
ـ وليه ماتروحش مرات وفـيق .. لسه صغـيره وتقدر عـلى الخدمه ؟!. وولادها ها يكونوا هناك .
ـ أنا مش عـايزالنغـمه دى .. ولادها ولادك .. وولادك ولادها .. سامعـه يا بنت عـبده أبو سليمان ؟.
ـ أنا ما بقولش حاجه .. بس إزاى أسيبك المده دى كلها ؟.
ـ طيب يااختى خشى عـلى بدور حنيه .. نخلى مرات وفـيق تروح شهر وإنت شهر .. ولا أسبوع وإنت أسبوع . وإنتم اللى تتفقوا مع بعـض .. ومش عـايز مشاكل.. سامعـه .
ـ ماشى ياعــمده .
وعـلى ذلك رافـق وفـيق فى اليوم التإلى .. وأتم الإجراءات المطلوبه . وبعـد عـودته .. وهو فى حجرته يبدل ثيابه .. دخلت عـليه رقية .
ـ مبروك ياعـمده .. وعـقبال العـمارات .
ـ الله يبارك فيكى .
وعـندما لاحظ الحيرة مرتسمه عـلى وجهها .. أدرك بينه وبين نفـسه إنها تريد أن تعـرف .. بإسم من سجل البيت ؟. فـمد يده وأخـرج لها العـقد من جـيب الصديرى .. وهو يقول :
ـ العـقد أهو .. خدى عـينيه فى الدولاب . والمفتاح أهو .. بإسمى يارقية .. واخده بالك .. بإسمى .. مش بإسم وفـيق . فإرتسمت عـلى وجهها إبتسامة واسعـه .. وتبددت ملامح الحيرة .. وقالت :
ـ ياخويا البركه فـيك .. وتعـيش لنا .. ويطول ربنا فى عـمرك .

ــ 33 ــ

استقر الأمر فى البلدة .. وصارت مقاليدها كلها تقريبا فى يد وفـيق . ولم يطلب أحد من عـائلتى أبو العـز والشوربجى .. تأجير وابور الحرث أوماكينة المياه . وإنما كانوا يعـتمدون فى ذلك عـلى مالديهم من بهائم .. ورجال . وبمرور الأيام استطاعـوا .. بمعـاونة الجيران واعـتمادهم عـلى أنفسهم .. أن يقفوا عـلى أرجلهم من جديد . وأن كانوا تجاوزوا مرحلة العـداء مع العـمدة .. إلا أن ما فعـله بهم يمثل جرحا عـميق الأغـوار فى صدر كل منهم .. تركوه للزمن .
وهكذا سلس قياد البلد .. للعـمدة و إبنه .. وجرى الخير بين أيديهم .. إلا أن حال البلدة بشكل عـام يسير من سىء إلى أسوأ . فمن يسير فى ركب العـمدة وإبنه .. عـليه أن يرضى بما يرمونه به من فتات .. وإلا عـليه أن ينضم إلى العـامه من أهل البلد .. ويقنع بما يجده أن وجد شيئا . فقد يجد طعـاماً ليوم ولا يجد للآخر . وكان وفـيق لايمانع فى تأجير وابورالحرث أو ماكينة المياه لأى فرد من البلدة.. سواء معه أو لم يكن معه المال المطلوب .. وفى هذه الحالة ما عـليه الا أن يوقع عـلى ايصال أمانة .. ويمهله حتى جنى المحصول .. فإن قدر عـلى السداد كان بها.. وأن لم يقدرفلا مانع أن يتحمل للمرة الثانية .. حتى إذا تراكمت عـليه الديون .. عندئذ يتشدد وفـيق فى مطالبته بسداد الدين بحجه إنه من سنين وهو صابر .. وآخرة الصبر أيه ؟. وعـلى أنصار وفيق الباقى . حيث يتولون الضغط عـلى المدين .. حتى يبيع له الأرض.. أو الماشية التى يملكها . وبذلك أصبح وفـيق بمرور السنين .. صاحب الكلمة والمالك للكثير من أراضى البلدة .

ــ 34 ــ

بعـد عـقدين من السنين .. جاوز عـبد الجبار السبعـين من عـمره . وإعـتلت صحته .. وأصبح لايغـادرالفـراش إلا إلى البلكونة ولايغـادرهاالا إلى الفـراش . وقارب وفـيق النصف قرن . كما كبر إخوته الذين كانوا يتعـلمون فى المدينة .. وأنهوا تعـليمهم .. وأصبح من بينهم الضابط والمهندس والمدرس والمحاسب.. وكلهم يعـملون فى البندر . أما أبناء وفـيق .. فلم يوفقوا فى تعـليمهم .. وعـادوا إلى القرية ثلاثتهم .. وأفضل من فيهم حاصل عـلى دبلوم من مدرسه الزراعـه الثانويه .. وأنعـم عـليه والده بلقب .. الباشمهندس . رافعـا من شأنه بين أهل البلدة . ومن حرص العـمدة عـلى حقوق أولاده .. طلب من وفـيق أن يبنى لكل منهم بيتا مستقلا فى الأرض الفضاء بالقرب من السراية . حتى يكون لكل منهم مكان ينزل فيه هو وأسرته عـند قدومه للقرية . وخاصة أن السراية أصبحت تعـج بمن فيها .. وفـيق وأولاده .. الذين تزوجوا ..وأنجبوا . كما أنه كان يفكر فى أن تكون السراية مقرا دائما للعـمودية . والذى يزمع أن يورثها لوفـيق . وخاصة أنه لم يعـد له فيها الا حجرتين .. إحداهما تعـيش فيها زوجته أم هاشم .. التى أصبحت ملازمه للفراش لمرضها وكبر سنها .. والأخرى يعـيش فيها هو ورقـية .
عـلى أنه لم يكن يشغـل باله .. ذلك الحين . إلا أن يولى وفـيق العمودية . وفكر فى أن يستقيل بحجه تقدمه فى السن .. ويوليه وهو حى .
إلا أن المحيطين به رفضوا الفكرة .. وطلبوا منه أن يظل ممسكا بيده بزمام الأمور .. وآهو وفـيق هو الذى يمارس أمورها بالفعـل .. حتى يمهد لنفـسه الأرض تمهيدا جيدا . ويقضى عـلى أمال كل معـارضيه .
إلا أنه وأن كان يميل إلى هذه الفكرة .. الا أنه بدأ يشعـر بشىء من القلق .. وخاصة بعـد وفاة عـمه إبراهيم.. وتقاعـد شيخ الخفر. صحيح أن الجديد .. واحد من الخفر القدامى .. لكنه ليس بحنكه ولا وعى السابق . إلا أن ماكان يدهشه .. ويكاد يذهب عـقله .. أن إبنه لم يكن يبال بكل هذه الأمور .. بل إنه يعـتبر نفسه هو العـمدة بالفعـل . وعـندما قال له :
ـ يا بنى العـمليه فيها إجراءات وشويه حاجات كده .
ـ يابا العـمده .. إطمن وحط فى بطنك شادر بطيخ . هو فيه حد فى البلد النهارده يقدر يفـتح بقه .. ولا حتى يفـتح عـينيه فى وشى ؟.
فهدأت خواطر عـبد الجبار .. بعـض الشىء . وأن كان لم يطمئن كل الإطمئنأن .. ولم يضع فى بطنه إلا بطيخه واحده أوبطيختين .. كما نصحه إبنه وفـيق .

ــ 35 ــ

تعـود أهإلى القرية عـلى غـياب العـمدة .. فـلم يعـد قادرا عـلى حضور أى مناسبة .. فرح كان أو مأتم . وحتى صلاة الجمعة التى كان يحرص عـلى حضورها .. أصبح غـير قادرعـلى حضورها أيضا . وبدأت تسرى اشاعـات فى البلدة .. إنه مات فعـلا .. ودفـن سرا حتى يتم إنتقال العـمودية إلى إبنه .. وبعـدها يتم الإعـلا ن عـن الوفاة . أو أنه مريض فعـلا مرض الموت . ومنها إنه يعـيش فى بيته بالبندر حتى يكون قريبا من الأطباء . ومنها إنه أدخل إحدى المستشفيات . والعـجيب فى الأمر أن أحدا من أهإلى البلدة .. ومنهم القريبون منه .. ومن إبنه . لم يفكر فى أن يقوم بزيارة إلى السراية .. لير الأمر عـلى حقيقته . كل ما كان يحدث.. هو أن أى منهم يلاقى وفـيق عـمدا أو بالصدفة .. يسأله :
ـ إزى العـمدة ؟.
ـ بخير .. والحمد لله .
ـ البركه فيك .. ياعـمدتنا . وينتهى الأمر عـند هذا الحد .
حتى أتى اليوم الذى مات فيه العـمدة فعـلا . وأعـلن ذلك فى البلدة بشكل واضح وصريح .. صباح أحد الأيام . وأن الجنازة ستشيع بعـد صلاة عصر اليوم . وعـلى ذلك حدثت حالة تأهب قـصوى فى البلدة .. واقـيم سرادق كبير عـلى عـجل .. وتم تمهيد الطريق المؤدى إلى مقابر القرية.. ورشه بالماء .. حتى لايتعـفر السادة الحضور. وتوافـد عـلى القرية .. أرتال من السيارات .. لشخصيات مهمة فى البندر والمركز.. وزملاء لأبنه الضابط وإخوته.. وعـمد القـرى المجاورة . وقد أمر وفـيق من إشراقة الشمس .. بذبح الذبائح .. وإطعـام الطعـام لكل غـريب وقريب .. وتقدم العـائلة فى تلقى العـزاء .
ولقد انبهر أبناء القرية بما وفـد اليها من سيارات فارهه .. لم يسبق أن رأوا لها مثيلا من قبل .. كما انبهروا بالمقرىء الشهيرالذى أحيا السهرة .. وتجاوبوا معـه .. وتعـالت آهات الإستحسان منهم .. كأنهم ليسوا فى مأتم . وسهروا ليلتها كما لم يسهروا من قبل . وقد أسرف العـاملون عـلى السرادق فى تقديم المشروبات الساخنة . حتى إذا إنتهى العـزاء .. وانصرف المعـزون .. بقى أهل البلدة جالسين أو واقفين فى تجمعـات .. يتحاكون بما رأوه فى يومهم .. ويتندرون به.. ومنهم من أقسم بصوت عـال إنه لم يرى فى حياته.. مشهدا كهذا .
وقد سر وفـيق .. وأثلج صدره . أن كانت ليلة والده عـلى هذا المستوىالذى جعـل أهل البلدة يتحاكون به .
وتقدم إخوته وأبنائه إلى السراية .. حتى إذا دخلوا حجرة المضيفة .. أغـلق الباب وأمر أحد الخفر بألا يدع أحداً يقترب منه . وبعـد أن ساد الصمت لحظات .. قطعـه وفيق قائلا :
ـ البقية فى حياتكم جميعـا .. وعـموما بيقولوا اللى خلف ماماتش . وأبوكم رحمة الله عـليه .. خلف رجاله .. ورجاله ماليه هدومها . أنا بس عـندى كلمتين عـايز أقولهم لكم بصفتى أخوكم الكبير . أنا عا يزكم من هنا وجاى تعـتبرونى فى مقام أبوكم .. الفرق فى السن بينى وبين أكبر واحد فـيكم .. يزيد عـن الخمستاشر سنه . وأنا باقول فى مقام .. مش أبوكم .
وافقه إخوته .. قولا وإشارة .. وأكد ذلك عـلى الضابط :
ـ طبعـا يا خويا.. دى نظرتنا ليك من زمان .. وطول عـمرنا بنحترمك وبنقدرك .
ـ وعـلى كده .. أنا عـايزمنكم إنكم تبقوا كلكم يد واحده .. معـايا . عـلشان العـمودية ما تطلعـش من العـيله . وكل واحد من ناحيته يسعى معايا .
ـ ما تقلقش من الناحيه دى.. كلنا معـاك قلبا وقالبا أن شاء الله .. وبكل ما نملك .
ـ ومن ناحية البلد هنا ما تقلقوش . البلد كلها ذى الخاتم فى صباعى .. أنا عـايز دوركم بره البلد .
ـ موافقين . هكذا ردوا جميعـا .
ـ أما من ناحية الميراث .. فالحمد لله الخير كتير .. يكفى ويفيض . وشرع ربنا هو اللى هايمشى . أيه رأيكم نجيب شيخ الجامع يحكم بينا . سارع أخوه عـلى قائلا :
ـ لأ يا عـمده .. إحنا مش عـايزين حد يسمع لنا صوت .. والحمد لله إخواتك رجاله وكلهم ثقه فـيك .. واللى إنت ها تعـمله إحنا موافـقين عـليه .. إنت لسه قايل أبونا خلف رجاله . والرجاله ماتختلفش عـلى حاجه لاتودى ولا تجيب .
ـ عـداك العيب يابن أبويا .. وأنا عـلشان كلامك ده ووقفتكم دى رقبتى لكم .
ـ بارك الله فـيك ياوفـيق .
ـ تحبوا نكمل القعـده .. ونتقاسم فى كل حاجه دى الوقت .. ولا نخليها للصبح ؟.
ـ وفـيق .. إكتب الورق اللازم باللى إنت شايفه صح.. وإحنا بكره نمضى لك عـليه .
ـ بس أنا شايف إنكم تراجعـوا أمكم الأول .
ـ أمنا مش ها تقول غـير اللى أنا قـلته لك .
ـ خلا ص .. بكره الصبح إن شاء الله نقعـد أنا وأنت.. ونوزع ونكتب اللى نتفق عـليه.. وننهى الموضوع ..عـلشأن ما يسببش مشاكل .
ـ أن شاء الله ما فيش مشاكل .. وعـلى فكره إحنا ها نكتب الورق لتحديد حق كل واحد بس . لكن كل حاجه هاتبقى تحت إيدك زى ما هيه . إنت عـارف إخواتك .. لاحد منا له فى الزرع ولا فى القلع .. وكل ماتبيع المحصول توزع عـلى كل واحد حقه .
ـ عـداك العـيب ياخويا .
وقاموا جميعا وتعـانقوا وتعـاهدوا عـلى أن يكونوا معـا عـلى الحلوة والمرة .. وقرأوا الفاتحه عـلى ذلك .

ــ 36 ــ

إستمر وفـيق .. يتقبل العـزاء فى والده .. لمدة أسبوع. ويستقبل زواره فى البلكون . بعـد تناوله الفطوريخرج اليها حاملا كوب الشاى فى يده .. ويظل عـلى هذه الحال حتى انتصاف الليل تقريبا .. يلازمه دائما.. رفاق السهر من رجاله . والذين أخذوا فى الظهور بشكل عـلنى .. معـه . فلم يعـد هناك ما يستدعى الاستمرار عـلى نهجهم السابق .. وخاصة أنهم أصبحوا رجال العـمدة. وإن كان شيخ البلد قد إحتفظ بموقعـه فى المجلس.. أوقات تواجده . حيث كان نادر الحضور .. لكبر سنه ومرضه . وأن تقلص دوره الفعـلى . حيث كان رجال وفـيق يمارسون دوره .. وكل أمور القرية كأن وفـيق هـو العـمدة فعـلا . ومن عـجب أن أهـل البلدة .. تقبلوا الوضع وكأنه من الطبيعى.. أن يخلف وفـيق أباه . وأن كان الأمر لم يخل من صوت هنا وهناك .. أو كلمات تصدر من الخصوم القدامى . وبقـيت المعـارضة .. لاتتجاوز كلمات.. سرعان مايتبدد أثرها فى الهواء .. وفى الأذان والعـقول . فـمن ذا الذى يستطيع أن يقف فى وجه وفـيق ورجاله وقد صار الأمر إليهم . وبعـد انتهاء أسبوع العـزاء .. وكان بنهاية الخميس الأول . وفى صباح الجمعـة التإلى .. وقد خرج وفـيق إلى مكانه المعـتاد بعـد الإفطار.. حضر إليه ثلاثة من رجاله .. وبعـد دقائق من الصمت . مال عـليه الجالس بجانبه :
ـ طولة العـمر لك .. عـايزين نفكر بقى فى اللى ها نعـمله .. لغـاية ما يتم الإعـلان عـن فتح باب الترشيح للعـموديه .. ولا .. أيه رأيك .
ـ أقعـدوا مع بعـض أنتم ورتبوا الأمور .. واللى أنتم شايفينه سليم أعـملوه . وكإنى ما أعـرفش حاجه وإنتم اللى بتتصرفوا من نفسكم .
ـ طيب .. بس عـرفنا يعـنى كده .. ولو بالتلميح .. انت عـايز أيه .. إنتخابات ....... . عـاجله وفيق :
ـ لأ.. لأ.. إنتخابات أيه .. وبتاع أيه . أنا عايزها بالتزكيه .. مين ده اللى يترشح قبالى ؟؟. ولا يبقى ند ليه؟؟. وإنت برضه يرضيك أن حد يترشح قبالى ويحط راسه براسى .
ـ عـداك العـيب يا عـمدتنا وتاج راسنا .
ـ ومش عـايز أسمع حاجه كده ولا كده .. تتاخد عـلينا.. وتهد اللى إحنا بنيناه . يعـنى شوية حرص عـلى شوية صبر.. وكده الأمور تمشى مظبوط .
ـ تعـليماتك أوامر.. يا عـمدتنا .
وهم الرجال قـائمين . فـقال لهم وفـيق :
ـ عـلى فـين ياخويا أنت وهو وهو .. أستنوا لما نصلى الجمعـة مع بعـض .

ــ 37 ــ

عـندما فـتح باب الترشيح للعـمودية .. مكث وفـيق حتى آخر يوم فى المهلة المحددة للتقدم . والتى فى خلالها فعـل رجاله .. مالم يكن يخطر عـلى بال أحد فى القرية . فبمجرد أن تسرى إشاعـة أن شخص ما يرغـب فى الترشيح .. وبعـد منتصف ليل سريانها .. يتم إقتحام بيته .. وإقتياده من بين أهله .. إلى مكان لا يعـلمه .. سوى خاطفيه. ويظل محتجزا .. عـدة ليال .. يتذوق خلالها من صنوف المهانة ما لم يكن ليخطر له عـلى بال . ومنهم من تم الإعـتداء عـليه جنسيا .. لكسر شوكته .. وحتى لايرفع رأسه بعـدها . الأمر الذى منع من كانت تساوره نفسه فى التقدم .. من المجازفة . وفى أخر يوم .. وقبل انتهاء المهلة بساعـة واحدة .. وبعـد أن تأكد من عـدم وجود مرشح سواه.. تقدم وفـيق بأوراق ترشيحه . وبعـدها ذهب لزيارة مأمور المركز .
ـ أنا جاى أقـدم فروض الطاعـة والولاء .. لسيادتك . وتشكرى الخاص عـلى حضوركم عـزاء الوالد .
ـ الوالد كان راجل ياوفـيق .. وكان كله نظر. قال ذلك وهو يبتسم ابتسامة ذات معـنى .
ـ وأنا أبنه .. وتلميذه برضه ياسعـادة الباشا .
ـ إن شاء الله تكون خير خلف لخير سلف .
ـ ببركة سعـادتك إن شاء الله .
وسلم عـليه منصرفا وهوينحنى له إنحنائة لها مدلول خاص .. أراد أن يوصله للمأمور .
وما أن وصل إلى البلد .. حتى وجد فى انتظاره فرقة مزيكه .. وحشد من رجاله وأنصاره وأهله .. وأطلقت البنادق من الرجال الذين أحاطوه من كل جانب . وأصر رجاله عـلى أن يطوفوا به البلدة راكبا حصانا أبيض أعـدوه له . ولما طلب منهم وفـيق تأجيل ذلك لحين الإعـلان رسميا عـن شغـله للمنصب . أصروا أن يتم ذلك اليوم وخاصة أنه يعـتبرفائزا بالتزكية .. فـلم الانتظار؟. وكان لهم ما أرادوا .
وعـندما عـاد إلى السراية .. وجد فى الخلاء حولها.. عـده عـجول تم نحرها حال وصوله .. وتوزيع لحومها عـلى الناس .. كما اعـدت موائد الطعـام أمام السراية . وعـندما دخل عـلى زوجته .. التى كانت ترتدى الأسود حزنا عـلى الراحل .. والفرحة تملأ وجهها .. ولم تتمالك من أن تطلق زغـرودة تردد صداها فى أركان السراية .
عـلت الابتسامة وجه زوجها .. وأغـلق عـليهما الباب.

ــ 38 ــ

لم يشعـروفـيق بجديد.. بعـد توليه العـمودية بشكل رسمى .. اللهم إلا ظهور رجاله بجانبه كمسؤلين .. وأصحاب رأى .. وأمر ونهى . فلم تعـد كل الأمور تعـرض عـليه.. إنما كبارها فقط . فـما الداعى أن يشغـل نفـسه بكل صغـيرة وكبيرة. وما فائدة من حوله أن فعـل ذلك .. وعـلى ذلك ترك لرجاله الحبل عـلى الغـارب .. فـفعـل كل منهم ما يريد لأجل فرض سطوته وهيمنته فى المجال المنوط به . ولهذا بعـدما كان هناك وفـيق واحد أيام عـبد الجبار .. أصبح الأن هناك أكثر من وفـيق .. مع وجود فارق واحد ..أن أحدا منهم ليس ابن العـمدة .. وإنما ذراعـه الطولى . وكل منهم له رجاله ومنفذوا أوامره ونواهيه . لكن الأمر المدهش .. أنه لم يحدث بينهم صراع عـلى من يكون الأكثر سطوة أو الأكثر نفوذا . ربما خشية من وفـيق .. أو ربما لأن كل منهم يلتزم بالخط الذى رسمه له .. ويحرص تمام الحرص عـلى عـدم تجاوزه .. خشية من العـمدة . ولهذا كانت الأمور مستقرة لهم . بالإضافة إلى أن الناس إعـتادوا منهم عـلى ذلك من زمن .. فلم يكن هناك الجديد . وإستمرت الحياة كما أراد لها وفـيق أن تستمر . إلا أن هناك أمرا جد .. ألا وهو الجيل الجديد من الشباب .. الذى ولد مع بداية تولى والده للامور.. منذ ربع قرن تقريبا . شبابا يافعـا قويا .. متعـلما . بداخلهم تمرد عـلى موروثات آبائهم .. فماذا يفعـل معـهم ؟. فى البداية حاول إحتوائهم بالرياضة .. فنظم لهم دورات فى كرة القدم .. بين فرق أطلق عـليها أسماء كالأسد المرعـب والفهد.. وهكذا . وخصص لها جوائز .. يقوم بتوزيعـها بنفسه عـلى الفريق الفائز. ومع ذلك وجد صعـوبة شديدة فى الهيمنة عـليهم . فإجتمع بوفود منهم فى محاولتة لإستمالتهم وإستمع إلى مطالبهم .. التى كانت تتركز فى إنشاء مدارس بالبلدة بدلا من سفرهم إلى البلاد المحيطة أو البندر.. فوافقهم عـلى ذلك بل وخصص قطعـة أرض كبيرة.. من التى كان يضع يده عـليها عـلى أن تكون البداية بمدرسه ابتدائى وأخرى إعـدادى . وسعى جادا مع أبناء البلدة حتى تم بنائهما .
وأخذت عـجلة الأيام تدور .. دورانها الروتينى .. وما يصبح الناس فيه يمسون فيه.. وكل يوم تزداد المعـيشة غلاءا عن الذى قبله .. وكل ملهى فى البحث عـن عـمل يضمن له لقمة العـيش .. وأن وجد العـمل يحرص عـلى أن يستمر فيه حتى يضمن لقمة العـيش .. له ولأبنائه . وعـلى ذلك هجر البلدة كثير من أبنائها سعـيا وراء الرزق فى البلاد المجاورة .. وما يعودون به من أموال يحرصون عـليها أشد الحرص .. وعـلى ذلك لايكون أمامهم إلا اللجوء إلى وفـيق ورجاله .. فيتقدمو اليهم بالهدايا .. والعـطايا .. حتى يضمنوا عـدم التعـرض لهم .

ــ 39 ــ

كبر أبناء وفـيق .. وكثر أولادهم حتى ضاقت بهم السراية .. فـلم يكن أمامه إلا أن يبنى لكل واحد منهم بيتا مستقلا . وأصبح يعـيش هو وزوجته وحدهما فى السراية . وعـلى ذلك إستقر بالحجرة التى تجاور المضيفة . وأصبح الدور الثانى الذى خلا من سكانه .. مرتعا للخفافيش والفئرأن . وبمرور الأيام أصبح الجميع يخاف الصعـود اليه .. زعـما إنه إصبح مسكونا بالعـفاريت . وقل إهتمام وفـيق بالسراية .. فلم يعـد يقوم بأى صيانة للمبنى . فتهاوى معـظم الطلاء من الجدرأن .. وتهالكت الأبواب والشبابيك .. وتحطم زجاجها .. وأصبح من الصعـب غـلقها . وفى الشتاء .. تتلاعـب الرياح بها محدثة من الأصوات .. ما كان يبث الرعـب فى نفوس ساكنها . حتى أن الخفر والعـاملين فى خدمة العـمدة .. لم يكن بمقدور أشجع رجل فيهم .. أن يدخلها ليلا .. أبعـد من الثلاث حجرات الأولى .. التى يعـيش فيها وفـيق . وخاصة إنها كانت دائما مضائة ليلا . وحدث أن أرادت زوجته الذهاب إلى دورة المياه ليلا.. لمغـص مفاجىء الم بها .. وكانت بآخر الدور الأرضى .. وحملت معـها فانوس ينير لها الطريق .. ويبدد خوفها . ومعـها إحدى الشغـالات تحمل فانوسا آخر . وما أن رأت قـطة سوداء تعـدو من أمامهن .. صاعـدة إلى الدور الأعـلى .. حتى صرخت .. وحاولت الجرى إلى حجرتها .. فإلتوى قدها أسفلها ووقعـت أرضا .. فعـلا صراخها هى وخادمتها .. فأسرع اليها العـمدة وكل من كان معه لحظتها .. وحملوها إلى فراشها . وحضر اليها المجبراتى .. ووضع لها جبيرة عـلى قدمها . وعـندما إختلت بالعـمدة ليلتها .. قالت له فى لهجة آمره لم يسمعـها منها من قبل :
ـ أنا ما عـدش لى عـيشه فى الخرابه دى .. يا إما تبنى لنا بيت صغـير عـلى قدنا .. وإلا ها روح أعـيش مع أى واحد من ولادى .. وإنت حر فى نفسك .
صمت وفـيق لحظات متفكرا :
ـ صحيح أيه اللى مخلينا عـايشين فى الخرابه دى ؟. ثم صمت فجأه ولم يكمل حديثه .
" بس هاتبنى لمين ياوفـيق من بعـدك .. ده كل واحد وله داره . ده أنا ناسى البنات خالص .. دول بنتين .. فيها أيه إما أبنى لهم بيت هما كمأن .. وآهو نعـيش فـيه الباقى من عـمرنا .. وبعدها يبقى لهم دار تلمهم .. لو واحده منهم خدت عـلى خاطرها من جوزها ولا حاجه ."
وعـلى ذلك فى صباح اليوم التإلى .. أعـطى تعـليماته لرجاله .. لبناية الدار فى الأرض الخلاء أمام السراية .. وبحذاء دور أبنائه .


ــ 40 ــ

إنتقل وفـيق وزوجته إلى الدارالجديدة .. وخلت السراية من سكانها . اصبحت .. مبنى عـاليا خاويا .. أثرا .. شاهدا عـلى أيام قـد ولت بحلوها ومرها . ونظرا لتقدمه فى السن .. أصبح غـير قادر عـلى الخروج إلى الناس بشكل دائم .. فإزدادت سطوة رجاله من حوله .. وقويت شوكتهم . وبدأت الخلافات تدب بينهم . فى محاولة من كل منهم .. تقديم نفـسه كخليفة لوفـيق . فلم يكن هناك مايدل عـلى رغـبتة فى تقـديم أحد من أبنائه .. ولا رغـبة لدى أى منهم فى ذلك . وعـلى ذلك أصبح كل من يرى فى نفسه .. من رجاله.. استحقاقه للمنصب .. يعـمل عـلى كسب الأنصار والؤيدين له . حتى ظهرت النزاعـات عـلنا .. وأصبح الناس يتندرون بهم فـمن قـائل :
ـ ما إختلفوش وهما بيسرقـوا .. وإختلفوا وهما بيتقاسوا السرقه .
ومن قائل :
ـ وعـلى الباغـى تدور الدوائر .
وعـندما أدرك وفـيق أن الأمور تكاد تفلت من يده .. عـلى آخر أيامه .. جمع رجاله فى حجرته وأغـلق عـليهم الباب وقال لهم :
ـ أنا الوقـت فى آخر أيامى .. ومش عـايز الناس تقول أن وفـيق كان شيخ منصر .. وبعـد ما مات إختلف أفـراد العـصابه من بعـده .. إنتم كنتم رجالتى وإيدى ورجلى .. ومش عـايز أى خلافات وصراعـات بينكم . أى واحد منكم يمسك من بعـدى .. الباقى رجالته وإيده ورجله زى ما كنتم معـايا بالظبط . ويكون بينكم عـهد عـلى كده .. واللى يخرج عـليه .. الباقى يكونوا يد واحدة عـليه . والوقت ده .. قبل ماتخرجوا من عـندى .. يكون بينكم إتفاق.. عـلى اللى ها يمسك من بعـدى . إنتم آهو عـشرة رجال وأنا بصوتى اللى ها رجح مين اللى ها يمسك .. أيه قولكم بقى ؟ .
ـ عـداك العـيب يا عـمده .
ـ والله إنت كده حليت الإشكال .
ـ ياريتك عـملت كده من زمأن .. كنت وفـرت عـلينا الخلافات اللى حصلت دى .. وخلت الناس تتلسن عـلينا .
ـ دول ماكانوش ها يتلسنوا بس .. دول كانوا هايكلوكم .. لو خلافاتكم زادت عـن كده .عـموما خلاص..مين فـيكم اللى هايرشح نفـسه ؟.
ـ إنت اللى تختار يا عـمده .
ـ لأ .. أنا عـايز إتنين ولا تلاته يرشحوا نفـسهم .. ونختار واحد منهم .
ـ بلاش كده ياعـمده .. ده هايخلق خلافات وحزازات فى النفـوس عـمرها ما ها تتنسى .
ـ طيب نقـرا الفاتحه عـلى أن اللى أختاره ما يحصلش عـليه خلاف .
ـ ومن غـير فاتحه .. كلامك سيف عـلى رقابنا .
وأعـلن إختياره لأحدهم .. ولشد ما كانت دهشته .. عـندما وجد إرتياح الجميع لهذا الإختيار .. وكأنه كان هناك إتفاق بينهم عـليه .
ـ طيب ومين بعـده ياعـمده ؟.
ـ سيبوا دى .. جايز الظروف تتغـير.. وتفرض إنتخابات .. ورأى الناس هو اللى ها يحكم فى الحاله دى .
ـ إنتخابات أيه .. ورأى ناس أيه . وأن حصل إنتخابات .. ما إحنا عـارفين ها نعـمل أيه . وإمتى الناس كان لها رأى.
ـ برضه .. سيبوها للزمن .
وإنفـض الإجتماع عـلى ما إتفـقوا عـليه .

إنتهت


صدر حديثاً :

ما قالته نظرتها الأولي
شعر
صابر معوض
لن أكون سبية
شعر
راندا الجندى
أين نحن وإلى أين نتجه ؟
مقالات
صبرى قنديل
إلى هذا الحد ..؟! ط2
قصص
محمد خيرت حماد
أحلام على الطريق ط2
قصص
محمد خيرت حماد
كبر داء
شعر عامية
د. عصام زكى الغنام
هانت الأفراح
شعر عامية
سلطان البهوتي
لا عليكِ
شعر فصحى
عبد الناصر الجوهرى
حمام أم الرشراش
قصص
فؤاد حجازي
المهرج لا يستطيع الضحك
شعر
عبد الناصر الجوهري
أنا رغم الجراح عاشق
شعر
سلطان البهوتي
سأغني للفجر القادم
شعر
محمد يوسف بلال
عليه العوض
رواية
السعيد أحمد نجم
لمن تهدرين شجونى
شعر
عبد الناصر الجوهرى
جمرات خابية
مذكرات
أحمد ماضى
لست أنا ، لكنه اسمي
رواية
أحمد ماضى
دموع النوارس
رواية
أحمد ماضى
هنا القاهرة
شعر
السعيد قنديل
الممر ط2
قصص
احمد ماضى
هويت بحرك
شعر
جابر على شطا
قدر ومكتوب
قصص
محمد خيرت حماد
الخوف
قصص
أحمد ماضى
الكلام طالع بالغنا
شعر
سلطان البهوتي
المشى للخلف
قصص
فؤاد حجازي
أراك كظلى
شعر
سلطان البهوتى
مكلوم هده الشوق
شعر
عبد الناصر الجوهري
للنار أغنية أخيرة
شعر
عاطف الجندي
من القلب يا شجن
شعر
جمعة محمد سنجاب
نداء خرطومو
قصص للطلائع
فؤاد حجازي
اشتباك
شعر
جيهان سلام
السراية
رواية
محمد خيرت حماد

رقم الإيداع بدار الكتب
8098 / 2008
ترقيم دولى
977-374-374-8
دار الإسلام للطباعة والنشر
2266220 / 050
0122614363